قرّة المعزة

 بقلم  سعد برغل

حلوة صناعة الرأي العام بتونس اليوم، والأحلى منه قدرة البعض على توجيه الرأي العام وتحويل وجهته حيثما شاءت أهواء السياسيّين،

واللاّفت في الأمر أنّ مادّة تحويل الاهتمام يمكن أن يهديها السياسيون وترتدّ عليهم، فالقضيّة في هذه الأيام هي الزوبعة التي أثارتها الإمارات بقرار ناقلتها الجويّة منه التونسيات من استعمال خطوطها، طبعا لن أندّد بالقرار فهذا أمر بديهيّ ولن أكتب الكثير مادحا المرأة التونسيّة وريادتها وهو ما أعتبره في حدّ ذاته بحثا عن تنفيس لما وقع، فالمرأة التونسيّة لا تحتاج إلى مقارنة مع الخليجيات أو الأروبيات، هي امرأة تونسيّة وبس.

لكني أريد أن أربط القرار وما أثار من تحاليل أحيانا بالغ فيها إلى درجة أنّها لفتت الانتباه إلى أنّ اللوبيات بتونس قد استحكمت في صناعة الرأي العام بدرجة أصبحت تمثّل خطورة على التوجّه والأدلّة كثيرة، فالبعض لك يكفيه ماعانينا من سنوات التفرقة على معايير الجهويات فهذا ساحلي وهذا بلدي وهذا " من ورا البلايك" ومعها كانت نغمة الحداثيين والسلفيين ونغمة الاسلاميين والعلمانيين ثمّ نغمة الثوريين والأزلام، ثنائيات تعود إلى الفلسفة الكهفية حيث تنتصف قوى الخير ضدّ قوى الشرّ وبينهما شعب لا حول له ولا قوة، شعب تدهورت مقدرته الشرائيّة وشعب لهث وراء الخبزة المرة شعب البطّالة فيه أكثر من العاملين، شعب زرعن فيه الفتن مفهوم" التكركير".

ماذا ينقص هذا الشعب اليوم على إيقاع "ولد موزة" ولد قطر" ثنائية تسرّيت إلى الخطاب السياسي التونسيّ فوجدت في أدبيّات سياسيّيه قدرة على اعتماد الثنائيّة الكهفيّة وأكثر اللغط والهرج والمرج مواقع التواصل الاجتماعيّ بين القطبين، من جهة المشروع ومن جهة الإخوان، فهذا ولاؤه للإمارات وهاهي فرصة الإخوان للانتقام من الإماراتيين لمواقفهم من إخوانهم في التنظيم العالمي، ومن باب السخريّة أن الاخوان اليوم وزعيمهم يتحدّثون عن " نصرة حراير تونس" والله بصدق تبسمت وأنا أتذكّر " تكريصت" المكمّلات في المجلس التأسيسي، سبحان الله العزيز القدير، بالأمس كانت المرأة وبالقبّة ناقصة عقل ودين واليوم أصبحت التونسيّة من "الحراير"، تصفية حسابات خارج تونس بأيد تونسيّة وزعامات تونسيّة.

في كلّ هذا من استفاد من زوبعة الإمارات؟ هل ربح الإخوان نقاطا ضدّ  أبناء المشروع؟ هل كانت الحادثة فرصة للنّدائيين لاستثمار المدّ التونسي المناهض للبيان وعودة الباجي قائد السبسيّ إلى صورة مناصر المرأة بعد أن تهرّأت هذه الصّوة بعد زلّته الاتصالية" ماهي إلا مْرا" هل ربح الشعب التونسيّ من هذه المماحكات المضحكة وهل كان البيان فرصة للمشروع حتى يفكّ الارتباط بينه وبين الإمارات؟ وقد يقول قائل هي مجرّد اتهامات إخوانيّة للشق العلماني والحداثيّ قصد تشويهه، ليكن مجرّد اتّهام غير بريء، هل كانت فرصة للمشروع ليصرخ عاليّا لا علاقة لنا بالإماراتيين والحال أنّ بعض الشّق الإخواني سارع فنسب إلى محسن مرزوق تدوينة تقول بما معناه ستندم تونس على موقفها، والأغرب أن بعض المواقع الإخوانيّة الالكترونيّة سارعت بتبني هذا التحذير ونسبته إلى مسن مروزق.

يبقى السؤال من الرابح من زوبعة الإماراتيين وما تلاها من لغط؟ وكيف أسهمت في تحويل الرأي العام التونسيّ؟

يكفي في سطرين التّذكير بأنّ دعوات قد انطلقت منذ مدّة تطالب بمنع أردوعان من زيارة تونس، وهنا مربط الفرس، فقد جاءت حادثة الإمارات ووجّهت الرّأي العام إلى التنديد والتظاهر ضدّ الإمارات وقفزت ماكينة النهضة والمؤتمر والحراكيين لتخفيف الضّغط عن" ياسين العيّاري" وعمّا يمكن أن يحدث من تكوين رأي عام افتراضيّ أوّلا ثمّ واقعيّ ثانيّا ضدّ زيارة أردوغان، تلك مادة صناعة الرأي العام وتلك قنوات الصناعة وتبقى الإمارات الخاسر الأكبر فقد مكّنت أعداءها ومن تزعم أنها تحارب من تأليب الرأي العام ضدّها وتطّهرت مجموعات قطر وتركيا وجماعة الإسلام السياسي.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.