الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2016/10/10 13:01

الصعود إلى الهاوية

الصعود إلى الهاوية

بقلم سعد برغل

لا أعرف لماذا يحضرني الآن وأنا أكتب المقال الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، يحضرني لأنني أذكر جيّدا ما كتب بمنفاه الاختياري بالكويت عندما صرخ  بما معناه "حتى الظّلام بالعراق أجمل"

فكان هذا الغريب على الخليج طائرا يردّد ما قاله قبله بقرون أبو حيان التوحيدي بما معناه كذلك "الغريب من كان في بلده غريبا"، مقدّمات في الغربة وعن الغربة لعلّها تعبّر وإنْ قليلا عمّا أشعر به يوميّا بهذا البلد الطيّب وما يعترضني يوميّا في شوارعنا ومقاهينا وحوانيتنا وجامعاتنا وأسواقنا من خطاب عمدته التنفيس عن الضيق  وحالات الإحباط التي يشعر بها المواطن بتونس، ولا أقول المواطن التونسيّ، لأنّ بالبلاد مواطنون يتنفّسون هذا الإحباط ولا يعنيني كلام السياسيّين فهو أقرب " إلى دقّان الحنك"ورحم الله حسن بن عثمان، ورحمة الحيّ أبقى من رحمة الميّت.

حالات شتى لمواطن واحد، يلهث وراء الخبز اليوميّ ومتطلبات الصغار في عصر العولمة والمطالب الشبابيّة العابرة للقارّات، لذلك لا نستغرب ما نقله لنا أحد الأصدقاء البارحة عندما حدّثنا عما وقع مع ابنته التي لم تبلغ بعد الثامنة من العمر فقد تورّط وسألها عمّا ترغب بمناسبة عيد ميلادها، قال فاجأتني أنها طلبت أحدث أنواع الهواتف الذكيّة، فبمّا بقي ينظر إليها متعجّبا سردت عليه كلّ مميّزاته التقنيّة ومزاياه الاتصالية، وختم سرده بالقول" لو طلبت أمّك هذه الهديّة في هذا الظّرف بالذّات لفكّرت جدّيّا في قطع علاقتي معها". عينة من معاناة الآباء اليوميّة بعد تفتّح عيون الأبناء على متطلّبات ثقبَتْ جيوب الآباء و جعلت ليلهم نكدا وصباحهم لهاثا وراء مستحقّات القروض والبنوك.

حالات شتى لمواطن ابتعد سنوات ضوئية عن أحلامه، وأنا المواطن الذي أرى في المطر مدعاة للتفاؤل، وفي رجل الأمن أملا في الأمن وفي رجل العلم غدا مزهرا لبلد لا بترودولار له، لكن كيف أقنع عجوزا ببرّ الهمامة أنّ لابنها مستقبلا في ظلّ حكومة كسابقاتها وعد على وعد في وعد مع وعود متراكمة لوعود متتالية على وعود سابقة في انتظار وعود لاحقة، هل قدر هذه العجوز التي باعت دجاجاتها وحرمت نفسها من البيض العربي أن تنتظر وعدا يسفّهه وعد ويعضده وعد، أما آن للحقيقة بتونس أن تترجّل وأن تمشي بالأسواق كما الأنبياء؟

حالات شتى لمواطنين علقوا بمياه الأمطار تمنّاها مواطنون وساندتهم صلوات استسقاء زكيّة، تحوّلت كابوسا بفعل استهتار مؤسساتيّ جعل من البلاد مجموعة لا متناهيّة من المطبات  بالطّرق، صدّقوني في كلّ شتاء أتساءل مثلا كيف يمكن لمدينة مثل المنستير أو المهدية أو جزء كبير من باب بحر سوسة أو من جربة أو من جرجيس أو من بنزرت ؛ كيف يمكن أن تبقى فيها قطرة واحدة من الماء،لأنّ هذه المدن الساحليّة تتمتّع بما يسميه أجدادنا " الصّلب الطبيعيّ" ونعرف جيولوجيّا أن الماء يحنّ دوما إلى مجراه كما تغنى مظفّر النواب، وأن الماء مهما حاولت تغيير مساره فإنّ يوما سيأتي وسيعود بالقوة إلى مجراه الطبيعيّ لأنّ المجري في باطن الأرض لا على سفحها، أعرف هذا وانا البعيد عن الطرقات وقياسات الانحدار، فلو تركوا المجاري المائية كما ارتضتها الطبيعة منذ عهود لما غرقنا في كأس ماء، ولكن " منّي تقرع" أهلكت البنية وأسهمت في تردّي صورة بلادنا، لا عند الغرب المتحضّر بل حتى عند جيراننا، كنّا إلى عهد قريب نتباهى بطرقاتنا وبتصريف علميّ لمياه الصرف الصحّي، وهانحن اليوم نسبح في مياه الصرف الصحي، ومن غرائب الزمن التونسي الجديد أنّنا عشنا أياما متقطعة من انقطاع الماء الذي حذّر مسؤولون من أمكانيّة عطش التونسيّين، فلما نزل الماء هبة من العزيز القدير بقينا نتساءل كيف سنصرف ماء المطر ليختلط بملوحة البحر حتى أنّي يومها كنت جالسا بمقهى على بعد أمتار منّي البحر، ولست أبالغ، وبيني وبين البحر بحر من ماء المطر وتعطل السير ساعات وكادت السيول أن تذهب بأرواح تلاميذ أمام صراخ الناظرين وتحذير الصّغار، كان يكفي رفش فلاّح ومعول فلاّحة لشقّ متر من المسارب باتجاه البحر لننقذ الرقاب، لكنّ كلّ الاتجاهات نحو البحر مسدودة بأكوام الزبالة، كان الأمر فظيعا، اختلطت الزبالة بالماء العذب بأرجل الصبية بشيخ يغالب العجز ليشق طريقه نحو البيت صارخا" العزوز وحدها والدار تقطّر"، مناظر كانت مناسبة عرّى فيها الله العزيز القدير كلّ أدعياء الوطنيّة.

دعنا من المطر والعطش و مياه الريّ وسدّ نبهانة، ولنفكّر معا كيف يمكن للواحد أن يموت في الغربة بوطنه؟ تماما كما السّيّاب الذي تميّز بصورة لم أعثر لها على مثيل في حب البلد، إذ " حتى الظّلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق"، عراق يا عراق، تونس اليوم تراك من بعيد بلد الرشيد وشارع أبي نواس ودجلة والفرات وبيت الحكمة، نراك ونخشى على بلد استسقى أهله المطر فلمّا أكرمهم الله تصايحوا وانكشفت عورات مسؤوليهم ومهندسيهم ومقاوليهم، فلك الله يا العراق، ولنا الله يحمينا من انحدار نحو هاويّة نخشى تسارعنا نحوها إن لم ينتبه سياسيّونها أنّ الوعد سينقلب وعيدا وإنّ غدا لناظره لقريب.

 هذا مقال رأي لا يلزم إلاّ صاحبه، ولا يتحمّل التحرير مسؤولية ما ورد فيه من أفكار ومواقف.

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg