اوسّو الفنّ والأسطورة

بقلم سعد برغل

وقع بين يديّ تقديم مهرجان أوسّو باللسانين الفرنسي والانجليزيّ، ونظرا إلى أهمية هذه التظاهرة في المخيال الشاطئيّ والمتوسطيّ يمكننا اعتبار استعراض أوسّو التظاهرة الثقافية الأعرق في الساحل التونسي انطلاقا  مما  تشهد فعاليات استعراض أوسّو في ثوبه الجديد من عديد الفقرات التي تتوزع بين الموسيقى والفرجة وتنشيط الساحات والشوارع مما يضفي على جوهرة الساحل أجواء احتفالية تسهم في الحراك الثقافي والسياحي لبلادنا. 

ويكتسي استعراض أوسو لهذا العام شكلا جديدا قطع من خلاله مع ما كان سائدا خلال عشريتين من الزمن كان فيها الاستعراض ذي الصيت العالمي موظفا بالكامل للشأن السياسي فسعت هيئة جمعية استعراض أوسّو لأن يكون استعراض هذا العام مختلفا تماما عن الدورات السابقة في محاولة لعودة الدر إلى معدنه وتكريس الاستعراض بشكل خاص ودعم الجهود الرامية إلى تفعيل المشهد الثقافي والسياحي في الجهة بشكل عام .

على شواطئ مدينة سوسة  يقام كرنفال أوسو وهو أقدم مهرجان في تونس عمره اكثر من 2000 سنة منذ الحقبة الرومانية و المهرجان عبارة عن لوحات و ابداعات تشكيلية مسترسلة على طول طريق شاطئ بو جعفر كان يقام على شرف الاه البحر اغسطس. مهرجان يكون أفراد المجتمع في تواصل مع بعضهم البعض  وهو عامل من عوامل الهوية يكرس  عملية مزدوجة من تأكيد و تدعيم  ما هي عليه ويتم تنفيذ هذا النهج فمن خلال  عرض جميع جوانب الحياة الوطنية كما لو كانت في واجهة زجاجية.  ترى عربات مزوقة و لوحات استعراضية وفرق الرقص  في موكب و في جو لعوب،  يكون الشارع ركحا، ويشارك  الجمهور المعرض.  بالتأكيد كرنفال أوسو هو حدث اجتماعي وثقافي رائع لا يزال يحظى  باعتبار إقليمي ودولي اضافة الى اتأثيره  على الاقتصاديات والصناعات المحلية.

ينطوي الكرنفال على تغييرات في علاقة الزمان والمكان. فبالإضافة الى الجانب التنظيمي، يحول التكامل الوثيق بين المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية معنى العرض للمدينة وسكانها.  فالاحتفالات لم تعد تمثل فترة قطيعة او خلل في النظام الاجتماعي؛ بل على العكس من ذلك، في هدا الجو الاحتفالي التي تتشابك فيه بشكل وثيق و الحفلات والمهرجانات، يكون الهدف هو البحث على التماسك و يكون التلاحم الاجتماعي شكل من اشكال العرض، مما يوفر الصورة العكسية للكسر والتفكك و عدم الانضباط متجاوزا التصدعات والشقوق مدة اسبوع  يتدفق الشعب ويتحد في البهجة والفرح  ويتمتع السياح بعرض فيه الصوت والضوء، مندمجين في الفرح و مشاركين في  الحركة. فتلغى الحدود. ويستند التماسك على تقاسم صورة مشتركة، وهي صورة المدينة كفضاء مميز موحد، يعرض تنوع الأفراد.  تتقاطع وتتلاحم الهوية والغيرية والجمع، وتتشابك في منطق التواصل حيث يصبح الكرنفال رمزا، وعبارة عن كلمة تعبر عن طريق  الموسيقى والترفيه.

أوسّو رمز القوة والقدرة الخلاّقة، رمز العقل المدبّر المسيّر للعالم الذي يخشاه الإنسيّ ومع احتفالاته يكون كلّ شيء مباحا، ويتمظهر أوسّو في تظاهرة سوسة وفي مهرجان جرجيس مع الخرجة البحرية الاحتفالية، وتراه أمهات مكثر من ولاية سليانة يوما للمصالحة فيه يأكل الناس الكسكي البربري وعليهم  التزام المصالحة فلا خصومات بين الناس، أوسّو يستبطن تاريخا ثقافيا ورمزيا وتخيلييّا مهمّا نعثر عليه مع طقوس أهالي جربة بأجيم مع ما يصاحب احتفالات المنطقة بالطقوس البحرية ويصاحب أهالي بنزرت، ونعرف تمظهره بصيدا وبيروت وميناء اللاذقيّة، أوسو ذاكرة المتوسط المعاندة المكابرة في سلم وتصالح بين الإنس والمتعالي، بين البحر ومريديه من الناس، يأخذ بعض أشكاله من طقوس الزنوج بأواسط افريقيْة في الأقنعة والألوان الزاهية، وتداخل مؤخرا مع ظاهرة" البوسعدية" الجنوبيّ بايقاعاته الافريقيّة.