جامعتنا و صناعة النخبة

بقلم سعد برغل

كنا قد سعينا منذ مدة إلى التنبيه إلى أهميّة النشاط الثقافي بالبلاد التونسيّة سواء في الفضاءات التقليدية أو الفضاءات المخصوصة الجامعية أو المهنيّة، كأنّ خيار الثقافة اليوم هو خيارنا الأخير وملاذنا من كلّ ارهاب وتشدّد، والتعويل على درجة استعداد الطالب لممارسة النشاط الثقافي تفاديا للهشاشة الثقافية والاجتماعية والسياسيّة فنسبة تبلغ 6/100 فقط من الطلبة التونسيين بحسب دراسة بصدد التحليل هي النسبة الممارسة للنشاط الثقافي بالجامعة التونسيّة.

ماهي أسباب هذا العزوف وماهي مخاطره وماهي الأدوار الممكنة للمؤسسات الجامعيّة و الجمعيات الطلابيّة؟ يعود الأمر إلى أنّ نسبة كبيرة من الطلبة يتغيّبون بسبب ضرورة العمل، ومن تجاوز الثماني ساعات أسبوعيا خرج من وضعية الطالب بسبب المعايير العالمية، إضافة إلى أن العينة تشكو من عدم اندراج النشاط الثقافي ضمن وحدات التكوين، وينصرفون عن الثقافي بسبب براغماتي واجمالا 54/100 من الطلبة لا يمارسون أيّ نشاط خارجي، فما هي الوظيفة الثقافية الاجتماعية للجامعة؟
هل تؤطر الطلب ـ المواطن حتى يشارك في الحياة العامة من تظاهرات ونقابات وأحزاب؟، عجز تعكسه النسبة وهو ما سينعكس على المستوى المعرفيّ للطالب والمستوى العلمي نظرا للتلازم بين تنمية القدرات الذهنية للطالب وتحركاته الثقافية.
هل يمكننا الاكتفاء بالترفيه الناتج عن المواقع الاجتماعية مثل الفايس بوك أم علينا تنبيه الطالب أن مصادر الترفيه تتجاوز الحسابات الافتراضية إلى الانتاج الثقافي التقليدي، حتى نعيد الاعتبار للقيمة المعرفية وتجاوز الكمّ الدراسيّ واجترار الأشكال الثقافية المنتمية لمدارس التنشيط التقليدية وتجاوز القطيعة بين الوحدات التكوينيّة والتكوين الثقافي فغريب أن ندرّس طلبتنا وحدات لا علاقة لها بانتظاراتهم في حين ننصرف عن تدريس وحدات أخرى يحتاجها عقل الطالب وجعل نشاط الطالب سببا من أسباب قبول الطلبة بمرحلة دراسية متقدّمة مثل الماجستير حتى تصبح الأنشطة الطلابيّة مقياسا من مقاييس قبول الطالب بالماجستير ورصد تحفيز لفائدة الموهوبين من الطلبة.
أسئلة تحيّرنا اليوم، ونعود إليها كلّما ضرب الإرهاب أبناءنا، أحزاب تتخاصم في اللغة وباللغة حول التنمية الجهويّة والقوانين المكبلة للإبداع في الاقتصاد والتنمية، وزارة ثقافة تبحث عن نفسها لا تعرف ماذا تبرمج وكيف تترجم ومن المستفيد وكيف يستفيد، وزارة تعليم عال لا علاقة لمسؤوليها بالجمعيات الثقافية الجامعيّة، في أفضل الحالات يردّ على مراسلة دعم رسمية" يسعدنا إعلامكم أنه يتعذّر علينا تمويلِ..." نشاطكم الثقافي، مؤسسات ورثت عقلية البيليك، فلا اجتهاد ولا تحديث ولا نظرة تحديثيّة للرؤى والمقاربات حتى نتصدّى للإرهاب تصديّا ماقبليا لا بعديا، حتى إذا وقعت الواقعة صرخنا بأعلى منابرنا "هذه نتيجة التصحّر الثقافي"، وعندها نبحث عن رتق المثقوب، وصناعة عقل طالب ثقافي جديد.
هل مازال عندنا أمل في الجامعة التونسية حتى تهدي للتونسيين مبدعين طلبة ومشاريع مواطنين مبدعين؟ هل من وظيفتها صناعة النخبة؟ ماذا وفّرت الدولة للطالب حتى تحيط تجربته وترعاها؟ كيف يمكن للجامعة اليوم أن تعرف أن تحفيز الطلبة المتميّزين ثقافيا يمكن أن يكون ولو رمزيّا، مثل تمكين المبدع الثقافي من منحة أو من مبيت مجاني أو من تذاكر مطعم أو من اشتراك نقل أو من تذكرة سفر إلى تظاهرة سينمائية أو أدبيّة أو تشكيليّة؟
نصرخ يوميا لا منقذ لنا سوى الثقافة لكنّنا في جامعة لا همّ لها صناعة الثقافة ومن مدارس اعداديّة وثانويْة لا ميزانية للثقافة فيها ومع مدارس لا اختصاص ثقافيّ فيها للتوجيه والتأطير، ومع رياض أطفال اكتسحها السلفيّون ملتحين ومنقّبات، ثقافة الموت والقتل والحرق والذبح منذ الأربع سنوات، سينشأ شباب محترف قتل عوض محترف ثقافة وسينخرط في التقتيل لا في النوادي وسيقتل المخالف فقد نشأ بين أحضان الدعوة إلى القتل الشرعي.