حلاوة هدرة

بقلم سعد برغل

حلاوة هدرة ما يقع بسورية اليوم من قتل وتقتيل وانفراد أمريكي بالقرار والحقّ في الحكم على مصائر الشعوب بتعلّة الكيمياوي،

بالأمس خاطب وزير خارجية أمريكا العالم ومجلس الأمن مندّدا بالانتهاكات الكيمايوية لصدّام وأخرج بين أصابعه قنينة باعتبارها الدّليل القاطع على هذا الامتلاك، وأبادت الولايات المتحدة وحلفاؤها من عرب وعجم العراق شعبا وتاريخا إبداعا وفرّقتهم مللا ونحلا من أجل عيون النفط والغاز، واليوم من اجل عيون اسرائيل تُدكّ سوريا دكّا وعرب الجلابيب يرفلون في الحرير مندّدين بإبادة حاكم لشعبه مستنصرين باسم الإسلام على المسلم بغير المسلم، وعلى العربي بغير العربيّ، متباكين على أطفال سورية وقد قتلوا الآف في اليمن بطائراتهم، محتجين بديكتاتورية بشّار كأن شعوب الخليج مثال للديمقراطيّة في أنظمة سلطة وراثية ملكية، متصايحين عن نهب عائلة بشّار لمقدرات السوريّين، وهم يرمون أطنان الذهب بين فخذي الراقصات بلندن، ويلقون بالقنابل مدفوعة الأجر على السوريين واليمنيّين ويتناسون أنّ الحجّ أمانة بين أيديهم، مصدر أموال رهيب يتصرفون فيه لتدمير الإسلام والمسلمين ومن المضحكات المبكيات أنّ أمراء الخليج مطلقا يحاربون بشّار من أجل الديمقراطيّة، ومن غرائب هذا الزمن أن يكون على رأس منظمة حقوقية دوليّة خليجيّ تربّى في المال الفاسد وحلاوة الحديث.

حلاوة هدرة الشيخ تحيفة، الشيخ فريد الباجي،  حاول ككلّ أسلافه رجال الدين أن يجد له مكانا عند أهل السياسة، طبعا وللسياسة أحكامها، فمتعمّم مثله يصلح لتسويق خطاب النداء وهو الذي ما يزال تحت تأثير انتداب لاعبين جدد بقيادة حافظ، انتدب الفريق محترفا  في علوم البلعطة والتهويم، أرادوا منافسة النهضة في الخطاب الديني وسحب البساط بالادعاء أنّهم يحبون الله، أرادوا مقاسمة النهضة هذا التكلّم باسم الله، ولكن في خمرة الانتشاء، أفشى هذا المنتدب الجديد أسرار جلسة من المفروض بأماناتها، فلا العمامة نفعJ ولا السياسة قدر عليها.

حلاوة هدرة، ستون عاما من الخراب نسمعها كلّ ثانية من اليسار ومن اليمين، الكل يهاجم دولة الاستقلال ولا تجد لها مزّية، فلا التعليم نفع ولا الصحة نفعت ولا التغطية الاجتماعيّة، ستّون عاما من الخراب، ولم يشر بعضهم إلى أنّ الفترة أطول بكثير تمتدّ من أول يوم من الحماية، ستون عاما، حلاوة هدرة على بورقيبة وعلى بن عليّ ، أما خراب البلاد مع الفرنسيّ فتاريخ مشرق عند هؤلاء.

حلاوة هدرة ما يقع من احتجاجات بتطاوين والكاف والقيروان، وما يقع من ضرب للطلبة ومن عودة الإعلام إلى مربّع اللافتات المعلقة على واجهات العمارات للسيّد الرّئيس، احتجاجات يقودها نوّاب الحزب الحاكم، حزب أراده التونسيّون منقذا فهرع إلى الجبة يلبسها، وإلى سفسطة اللغة يستثمرها، حزب انتخبه التونسيّون لتجميع القوى الحداثيّة في جبهة تتصدّى لزارعي فتنة النقاب والتقتيل باسم الله، تحوّل بسرعة الضّوء عنصرا من المشاكل، ولا يمكن بحال أن يكون اليوم عنصرا مساعدا على الحلّ، هرع التونسيّون نحو هيبة الدولة فسقطوا في خيبة الدولة، حزب تشظّى، انقسم، تفرّق مللا ومجموعات وأصبح رفاق الأمس بجربة أعداء اليوم بالعاصمة.

حلاوة هدرة تبقى نكتة في المجالس، وتبقى وقودا لأحاديث المقاهي، وتبقى مادّة للإعلام، ومعها يتواصل استقطاب الطلبة لداعش بالمبيتات الجامعيّة، ومعها يصول حزب دينيّ ويجول، وحلاوة هدرة تطالب وزارة الشؤون الدينيّة وكيل أعمال شركة بالقانون الأساسي، وقبلها ترفع نقابة الأئمّة قضية ضدّ تمرين لغوي بكتاب مدرسيّ وبينهما تطالب بغلق الملاهي وقبلها تقفل الدولة المدنيّة نقطة بيع الخمر متحصلة على الترخيص، حلاوة هدرة حكاية تونسيّة من باب بحر لباب بنات لبن قردان، وحلاوة هدرة تخاريف الجّدات، وحلاوة هدرة ما نكتب اليوم وحلاوة هدرة مجموعات الفساد وإعادة كتابة التاريخ واستقلال القضاء وحرية التظاهر السلمي مكفولة بالدّستور.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.