الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2015/11/03 16:05

داعش والغبراء

داعش والغبراء

حكاية "خيانو مؤتمن" تعدبني منذ سنوات الصّبا، كانت لنا في القرية التي نشأت فيها حكايات كثرة كنّا نحن الصّغار أبطالها بتواطئنا ضدّ الآباء والأمّهات كأن يسرق بعضنا البيض الذي كلّفته زوجة عمّه بجلبه أو أن نتسلّل ليلا إلى أشجار الرّمّان لسرقتها تمشيت ما تحت الشجرة من جديدحتى يبدو الأمر للعم صباحا أنّ جنّا ملّقا بجناحيه نزل من السماء واستولى على ما لذّ له من رمّان أو تفّاح أو تين.

كانت سرقاتنا بهذا التواطؤ بين السارق وابن المسروق، فإذا سرق ابن عمّي بيضات دجاجاتنا أنطر تمام الإنكار أنّي أعرف من صاحب الفعلة، كما يحدث أن أستولي فجرا على عنب عمّي تحت نظرات ابنه دون أن يخالجني أدنى شكّ في أنّه سيهرع صباحا ليُنبئ أباه بفاعل هذه الفعلة.
كان تواطؤا في الضّراء والحال  حال الجائع الباحث عن ترفيه، جوع كنّا نسدّه بخيانة الأمانات، وكانت لنا تبريراتنا الصبيانيّة، وكان أهلنا لا يغضبون كثيرا فالآكل ابننا أو ابن أخينا وفي أقصى الاحتمالات ابن ابن عمّ لنا. عقليّة ريفيّة عوّدتني عادات رديئة أعانيها اليوم بالمدينة، عادات من نحو أنّ يداهمك الجوع منتصف النهار قرب أول منزل من منازل الأعمام، تدخل الدار المفتوحة أبوابها طبعا، وتصيح بابنة عمّك أنْ هاتي فطوري، فتسمع ردّ زوجة عمّك" ادخل فهو في بيت أخيك" وتقصد ابنَها ابن عمّي، وتسرع داخل غرفة أخيك، الذي هو ابن عمّك، ويمكن أن يكون ابن عمّ عمّك، وتأكل غداءه وتنصرف لمواصلة اللعب، ولا تتساءل كيف يتمكّن ابن عمّك هذا من تناول فطور الغداء.
لا تتساءل كثيرا، فابن عمّي سيدخل منزلهم وسيسأل عن فطوره، وستعلمه أمّه أو أخته أني مررت من هناك، سينتقل إلى أول منزل قريب وسيطلب من ابنة عمّه الفطور وسينتقل من منزل إلى منزل حتى يظفر بالفطور ولا حرج عليه فبالعائلة عقد منذ أن بدأت أعي الدنيا يقضي بأنّ الأكل للكلّ متى تيسّر.
هل في هذا تربيّة على التلذّذ بخيانة المؤتمن؟ فالغلّة التي نسطو عليها، مهما كانت نوعيّة القرابة، هي لأصحابها، فلا تشفع لنا هذه القرابة لمثل هذا السّطو، وابنة عمّي التي تقدّم لي فطور أخيها ألم تكن بذلك قد فرّطت في مؤتمن وهو فطور ابن عمّي؟

هذه الأسئلة التي لم تمرّ بخاطري صبيّا بقرية منسيّة من قرى جنوبنا الرابضة تحت الجبال أو الحالمة بسهل أو الناجيّة ببحر كحال قريتنا، قلت هذه أسئلة لم تكن تخطر ببالنا، فالأمر عفويّ وهكذا وجدنا من أكبر منّا، وهكذا ربّتنا أمّهاتنا.
لكن لماذا قفزت هذه الذكريات الثاوية في عمق الذاكرة واستحضرتها الآن بهذا الوضوح؟ الحق، أنّ الأمر يتعلّق بحال السياسة ببلدنا المحروسة، فخيانات المؤتمن قد كثرت حتى تعفّنت الأحزاب وانتشرت حتى عمّت اليمين واليسار وبانت حتى كشفت عورات السياسيين وشاعت حتى نزلت سراويل السياسيين وسقطت الأقنعة فلا نام من نام ولا انتبه من صاح.
سياسيّون يتبارون في خيانات المؤتمن: من ائتمنه الناخبون على القطع مع الترويكا ورأس الحربة النهضة، وصوّتوا له بلا مشروع أقنعهم سوى ضمان إسقاط النهضة سارع فخان هذا العقد الانتخابي الوحيد، وصافح النهضة في السّر وفي العلن، ومن فاز بأغلبية برلمانيّة سارع فبرّر ضرورة التعايش بين الدّبيْن فخان ثانية، كمن كذب مرّتين، ومن كان بإمكانه أن يكون وفيّا لصراخه ضدّ الاسلام السياسي أن يأتلف في جبهة مع الحزب الأغلبيّ تعلّل بحكمة أمنائه وبقي على الربوة، انتخبه المناضلون ليحكم، ولكنّه على عادته وعادة رفاقه العرب يتصايحون ويتسابقون ويرفعون الّاءات ولكنهم على الربوة يبقون.

خيانة المؤتمن لا تعني فقط العامل البسيط الذي قد يستولى، تحت ضغط الحاجة، على قطعة قماش لمؤجّر، و لاتعني خيانة المؤتمن محاسبا في قباضة مالية ولا تعني كذلك صرّافا ببنك تونسي مفلس، ليس هناك أمرّ من خيانة السياسي الذي ائتمنه الناس على مصائرهم.
خيانة مؤتمن لا تضاهيها سرقاتنا الصبيانية للأشجار التفاح، في صغري، ولا تسلّق الأسوار للظفر بتينة، خيانات حزبيّة موصوفة تنتهي ككلّ الخيانات، بتهشيم بلّور الفنادق من جربة إلى الحمّامات، فالخصومات بين اللصوص قد تكون دمويّة لكنّها بين السياسيّين قتل على النيّة، وكيف سيكون حال  البلد المخنوق اقتصاديا المأزوم اجتماعيّا المهدّد بالدواعش والسلفيين والمراجع الكهنوتيّة، ويسارُ الكافيار يتشدق بحقوق الانسان ومايزال لم يغادر السقيفة بين التروتسكيين والوطد الموحّد المتشظي، خيانات فاحت بأبهى البذلات وأغلى ماركات السّيارات، كنا نسرق ما ائتمنتنا عليه العائلة، لكنّنا كنّا نكتفي بما يخفّف جوعنا ونترك للبقية حصّتهم ونترك للأعمام ما يمكنهم بيعه بالسوق الأسبوعيّة، خيانات المؤتمن اليوم تتلاعب ببورصة أعصاب وطن وبنخاعه الشّوكي، تساببٌ وبيع للإرث والعرض من رهن للملاعب وصكوك إسلاميّة، وتفويت وخوصصة، وسيكون حالنا كحال فيل نفق قرب مأسدة.

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg