الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2013/11/08 15:45

رأي : عبد المجيد الشرفي : الدين والحداثة بقلم منصف الوهايبي

رأي : عبد المجيد الشرفي : الدين والحداثة بقلم منصف الوهايبي

أحبّ في مفتتح هذه الورقة أن أميّز بين صنفين من الأساتذة الجامعيّين، فأكثرهم مدرّس أو باحث، وقلّة قليلة منهم تنضوي إلى فئة العلماء حقّا. ومع أنّي مثلا في رتبة أستاذنا سي عبدالمجيد (أستاذ تعليم عالٍ) فأنا لا أضع نفسي في مرتبته أبدا. 

وليس هذا تواضعا منّي أو تظاهرا بالتواضع؛ فما أكثر المزهوين الكلفين بأنفسهم الذين يدلّون ب"مواهبهم" وفرط تدلّههم بأنفسهم، وما أكثر المشغولين منّا بمراياهم الداخليّة يتملّون فيها خيلاءهم المتوارية وزهوهم المستور خلف ألف قناع وقناع؛ وإنّما هذه حقيقة أسوقها اعترافا منّي بقيمة هذا العالم.

الدين والحداثة. هو درس ما أحوجنا إليه في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به بلادنا. وها أنا أحاول في ما يأتي أن أقف على أهمّ ما جاء فيه، محتفظا للأستاذ بالكثير من لغته المفهوميّة وأفكاره التي يمكن أن تضيء السبيل لبني قومنا من التونسيّين الذين لا يرون في الحداثة إلاّ افتئاتا على التراث أو خروجا على الأصول والثوابت. وربّما أضفت في مواضع قليلة جدّا أو أوضحت أو تمثّلت.

مهّد أستاذنا بإشارة وجيزة إلى أنّ الدين والحداثة مفهومان مختلفان، في الظاهر، أو هما متباينان، لا جامع بينهما ولا رابط.

فالدين ظاهرة أنتروبولوجيّة ملازمة للإنسان منذ فجر التاريخ، تشمل المعتقدات والطقوس والشعائر والأخلاق. والمقصود به في السياق الذي نحن به، الأديان السماويّة الثلاثة (اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام) التي تشترك مع أديان أخرى يؤمن أتباعها بإله واحد أو إله مفارق أو منزّه. ولو كان في هذه الورقة فسحة، لوقفنا على أوجه التداخل بين وحدانيّة بلاد الرافدين قديما ووحدانيّة الفراعنة مثلا أو ما شاع في أقاصي الهند والصين من أشكال الوحدانيّة، برغم أنّ الشرق يعدّ المصدر الأغنى للتعدّديّة الوثنيّة جنبا إلى جنب مع الثقافة الهيلينيّة الوثنيّة التعدّديّة. فالوحدانيّة لم تبدأ مع اليهوديّة أو هي وقف على المسيحيّة والإسلام وجذرهما اليهودي، وإنّما هي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ. بل في "الوثنيّة" نفسها التي نجد فيها وفي تجلّياتها "ربّا" كبيرا لا أحد حتى من الآلهة يطاوله أو يجاذبه مكانته. بل إنّ الآلهة كانت كثيرا ما تتصارع ثمّ تأتلف في إله واحد (رع وامون وفتاح) أو اخناتون الذي كان يدعو إلى عبادة إله واحد. وهذه الوثنيّة تسمُ في تقديري الشخصي كلّ الديانات التوحيديّة، بنسبة أو بأخرى؛ حتى الإسلام الذي دفع بالوحدانيّة إلى "أقصى ما يمكن من التنزيه" كما يقرّ بذلك غير واحد من الدارسين.

لاعلى أنّ الجامع بين هذه الأديان كلّها وظيفيّ: إضفاء معنى على الوجود أو محاولة احتواء الكون أو امتلاكه أو السيطرة عليه. وما نضيفه ها هنا أنّ العقائد الوحدانيّة أميل، بحكم تكوينها إلى الاستبداد حيث الحاكم "ظل الإله" وحيث "وحْدنة" كلّ شيء تقريبا. يضاف إلى ذلك أنّ الوحدانيّة تجعل من الانسان سيّدا وعبدا في ذات الآن: فهو سيّد الطبيعة الذي خلقه الله على صورته، ولكنّه حقير أو وضيع إزاء القدرة الإلهيّة. أمّا الحداثة فهي نمط أو تصوّر  حضاريّ للوجود، انطلق من الغرب لينتشر في كامل أرجاء المعمورة. وعليه يصحّ قول بعضهم إنّها نمط أو فعل كونيّ شموليّ، وليست مجرّد "تجديد" كما نقول عادة عن "الظواهر" الحديثة المحلّية التي تشيع في مجتمع ما ويتقبّلها بنسبة أو بأخرى.

وهذه الحداثة الكونيّة هي "الحداثة الصناعيّة" بحقّ أي تلك التي تجعل البشر "متشابهين" لباسا ومأكلا ومسكنا...وما إلى ذلك من شتّى المنجزات الماديّة التي هي على صلة ووشيجة بمنجزات رمزيّة أو معنويّة. وما كان لها أن تكون، من دون العقلانيّة والتجريب والاختبار. والحقّ أنّ الحضارات القديمة مثل الحضارة العربيّة الإسلاميّة، لم تخلُ من هذا البعد العقلاني تماما؛ ولكنّ نسبته في حضارة اليوم أغنى وأشدّ أثرا ووقعا، خاصّة أنّ هذه الحداثة القائمة على العقلانيّة، تحمل معها قيما، إنْ لم تكن معدومة بالجملة في الماضي، فإنّ حظها اليوم أوفر. ومثال ذلك قيمة "العدل الاجتماعي" بعبارة سي عبد المجيد، وهو مصطلح يفضّله على مصطلح "العدالة الاجتماعيّة"، وكذلك قيمة الحريّة والمساواة بين البشر بصرف النظر عن أيّ اعتبار دينيّ أو عرْقيّ. ومهما يكن فهذا التلازم بين الماديّ والمعنويّ أو الرمزيّ في مجتمع مثل مجتمعنا لا يزال بين شدّ وجذب وأخذ وردّ، رغم إقرار روّاد الإصلاح عندنا منذ أواخر القرن التاسع عشر وخلال الثلث الأوّل من القرن العشرين بأنّه لا مناص من الأخذ بهذه المنجزات الماديّة.

وإذا كان ثمّة احتراز فمردّه إلى تبنّي القيم الملازمة لها. ولاحظ سي عبدالمجيد أنّ المسيحيّة نفسها لم تقبل بحرّية المعتقد والعلمانيّة والمساواة إلاّ حديثا في المجمع الفاتيكاني الثاني. وكذلك الشأن عند اليهود، فقد قاوموا هذه الحرّية، ولكنّهم كانوا متسامحين أكثر؛ بسبب من كونهم أقلّية، مع أتباع ديانتهم من الخارجين على مقالات علماء اليهوديّة. ولذلك نجد عندهم اليهوديّة الأرتودوكسيّة المغالية أو المتطرّفة، ونجد اليهوديّة الليبيراليّة على قلّة ذيوعها أو انتشارها.  ومن نافل القول أنّهم شأنهم شأن المسيحيّين، تبنّوا هذه القيم في ما بينهم، وليس في مستعمراتهم. أمّا المسلمون فلم يتبنّوا هذه القيم الحديثة على نطاق واسع، أو هي لم تصبح من مفردات حياتهم ومعيشهم، أو أنّ كثيرا من مؤسّساتهم الاجتماعيّة مثل العائلة وغيرها، لا تزال تستمدّ "وجاهتها" أو مسوّغاتها من الدين أو من المعايير الدينيّة، ممّا يضفي عليها بداهة ولا يضعها موضع مساءلة رغم أنّنا أدرى بأمور دنيانا كما جاء في الحديث؛ فيما الحداثة نزعت الأقنعة عن مثل هذه المسوّغات والمبرّرات. فهي بشريّة نسبيّة تاريخيّة أي هي تتطوّر بتطوّر الأوضاع. ويقول أهل الذكر إنّ للتطوّر "خطّا" لولبيّا بما يعني أن لا إمكان لعودة كلّ دورة من دورات اللولب، إلى نقطة بدايتها، أو أنّ كلّ دورة إنّما هي جديدة مقارنة بسابقتها. وليس بالسهل على الضمير الديني أن يقبل هذا المعطى أو يرضى بمقولة بعض أسلافنا من أنّ العقل كافٍ وحده لتنظيم المجتمع. والحضارة الإسلاميّة كما يقول سي عبدالمجيد ـ وفي كلامه مقدار كبير من الصواب ـ ليست في كلّ تجلّياتها حضارة نصّ. وساق أمثلة لذلك من المدوّنة الفقهيّة، بعضها شديد الخصوصيّة مثل الختان الذي لا يشغل إلاّ مساحة ضيّقة من هذه المدوّنة، على حضوره اللافت في الضمير الديني إذ لا يُتصوّر أن يكون المسلم مسلما دون أن يكون مختونا. وبعضها ممّا هو أمسّ بواقعنا كالديمقراطيّة التي يسوّغها البعض على أنّها الشورى. وهذا لا يعدو أكثر من عمليّة تأويليّة في تقديره، ولا أحد من القدماء ألزم الخليفة باستشارة رعيّته فضلا عن أنّ الخلافة مؤسّسة وراثيّة منذ انتصار معاوية ونشأة الدولة الأمويّة. وجعل الشورى بمنزلة الديمقراطيّة ليس في تقدير صاحب هذا العمود أكثر من ترقيع الديني بالدنيوي. وكذلك الزكاة المقرونة أبدا بالصلاة، للحدّ من الفقر والعوز والحاجة، استجابة للنصّ القرآني الذي ينصّ صراحة على أنّ للفقراء حقّا معلوما؛ فقد ظهرت قوانين وضعيّة مثل الضرائب التي هي واجب على المواطن .وقد خلص سي عبدالمجيد إلى أنّ الضمير الديني، وأضيف أنا "الجمعي" يجد من الصعوبة بمكان أن لا يجري شكل تديّنه أو محتواه على وتيرة من شكل تديّن أسلافه أو هو يرضى بغير ذلك. هذا برغم أنّ للتديّن أشكالا تاريخيّة مختلفة إلى حدّ التباين بالجملة. ولعلّ خير مثال لذلك في تقديري الشخصي، هذا "اللباس الهجين" الذي يضعه بعض السلفيين الشباب (جاكتة جلد وجلباب وحذاء رياضي) فضلا عن اللحية والبورتابل وكلّ ما يزري بالمكان وأهله. وعليه نشاطر أستاذنا ما خلص إليه من أنّ النسج على منوال السلف وهْم كبير. بل لا يوجد منوال أصلا وإنّما نحن ننهج على "تمثّل" لذلك السلف الذي قد يكون اجتهد وكان اجتهادهم رهنا بظروف مجتمعاتهم وملابساتها.

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg