زيدها مازال تِتْنفّس

بقلم سعد برغل

قالها ورحل" نحبّ  البلاد كما لا يحبّ البلاد أحد"
قالها الطيب العشّاش برّد الله ثراه" نحيا نحيا...ويحيا الوطن"
قالها وغيّبه الموت" بلادي وإن جارت عليّ عزيزة"

سنقولها بملء شوارعنا ولو ذهبنا  " قرفنا من سياسة التشييج نهارا والسطو المشروع ليلا، قرفنا خطاب متعفن آسن متبلّد متكلس متحجّر لا رائحة له ولا لون ولا طعم، سياسيو الوقت الضائع ببلد تصوّرنا أنه مرّ من سبع عجاف ليعانق سبعا رغدا، سنوات انتظرنا تحسّن المداخيل بلا مطلبية مجحفة، تردّت حكومات وحافظت على كراسيها وامتيازاتها ولما غادرت الكراسي تذكّرت الزوالي وقفة خالتي فاطمة، سياسيون تحت قبة البرلمان دخلوا توافقات "سيّبلي نسيّبلك" وتصايحوا كالديكة بيننا الشارع، وأبدعوا وابتدعوا" الحق في التّظاهر ليلا، حصص مقرفة من بثّ تلفزي لجلسات برلمانيين يحضرون بكل البلاتوهات ولا يحضرون بالبرلمان، سياسيون عجزوا عن تعريف عجز الميزان التجاري وتنابحوا قفة الزوالي.

لك الله يا بلدي عندما نتصور أننا استفقنا من كابوس إرهاب الجبال لنكون ضحية كوابيس الإعلام والبذلات الرسميّة، عقل سياسي قروسطي بامتياز، يبحث كل واحد عن أصوات انتخابية مهما كان ثمنه من حرق وتدمير وتناهبوا منحا وامتيازات باسم نواب الشعب وتدافعوا للدفاع عن السارق والناهب والمستولي والمتربص بالبنوك وبمقارّ القباضات وبمقرات الشرطة، اختنقنا من رائحة نتنة عفنة من الخطاب المحمّل للسلطة وللشّاهد مسؤولية ما يجري، أحزاب تحالفت ضدّ الكل وتناهشت بعضها البعض، تزوّجت زواج مسيار ثم تطلّقت ثلاثا واحتمى كلّ واحد بهراواته وماله الذي يقطر خيانة فوزّع على عشاق الليل سجائر وأموال.

 لك الله يا بلدي فقد أرضعت لبنك لمن لا عقل له ولا أمانة، وألقمت ثديك لكلّ عاطل تفكير يتباهى بالثورية بلا أدباش، عراة حفاة جوعى، مجموعة سياسيّين دخلوا الحلبة بقوانين ولمّا استووا بالحلبة ضربوا عرض الحائط بالقوانين، ديمقراطية على مقاس معارضة الكافيار والمتدثّرين بالدين، صوّتوا وزكّوا ووافقوا، ولمّا اشتد الطّرق بالليل تبرؤوا من إبهامهم الذي صوّت بالإيجاب على ميزانية دولة منهكة بالديون، ميزانية منهكة بمن استكرش حتى عاد بلا رقبة، بتعويضات من مات سارقا ، ومن مات حارقا مركز شرطة ومن فجّر نزلا ومن أحرق موظفين تحت جنح الظلام.

لك الله يا بلدي فبعد سبع عجاب دشنا سبعا أخرى من بنزرت لبن قردان وكلّ واحد يتصور أنه صاحب الحلّ السحري، شباب في عمر الزهور يواجه شبابا في عمر الزهور، أحزاب لا تعرف من السياسة سوى "هات" ولمّا استوزر بعضهم كان أردا من غيره، وزراء كانوا بالأمس في المعارضة وهاهم اليوم منخرطون في الفساد وفي المحسوبية بلا رقيب وغدا سيعودون بلا سائق ولا سيارة إدارية ولا غرابة أن يندّدوا بقرارات هم أصحابها وبمشاريع باطلة هم صنّاعها، اكذب اكذب حتى يصدّقك الكلّ، كلّ غير متجانس، يبحث الواحد فيهم عن تلميع صورته، ويشدّد كلّ واحد أنّوا " ماكيفو حد".

قرف من بلاتوهات سياسة وقرف من مواعيدكم الانتخابيّة وقرف من وجوهكم، اغربوا عن سمانا حتى نستعيد بهجة النّظر في التلفاز، حتى نرى البسمة ونشاهد برامج توعوية وفنونا راقيّة، قرفنا من منظر سيارات الأمن ومن منظر العجلات المحترقة ومن منظر الخوذات الأمنية.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.