Français|

الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2015/07/20 11:39

ساعة لتجفيف المنابع

ساعة لتجفيف المنابع

بقلم سعد برغل

مازلت أذكر الصورة التي غزت كل الجرائد التونسية وحضرت بتلفزتيْنا الوطنيّتين، وتناولتها وسائل الإعلام المسموعة، صورة تبارى الكثير من المحللّين الاستراتيجيين في فكّ رمزيّتها وأبعادها العقديّة والوطنيّة والنّفسيّة، صورة تكشف المعضلة الأساسيّة للفكر العربي وتوضّح أسباب تدهوره، صورة تختزل أربعة عشر قرنا من التداخل بين الدينيّ والسياسيّ في العقل العربي وفي السياسة العربيّة وفي الذوق العربيّ وفي النسق العقائدي العربيّ وفي منظومة القيم العربيّة.

لا تبحثوا كثيرا عن الصّورة فهي من شغل الحكّام العرب كلّما ذهبوا إلى الحجِّ، كانت آلة صناعة الرأي العام بتونس قد تخيّرت المخلوع بلباس الإحرام بصدد القيام بشعائر الحجّ، كانت الصّورة رسالة أراد منظّرو التجمّع إبلاغها إلى أصحاب القرار في المحافل الدّوليّة: بإمكان من يملك وزارات السيادة ومن يتّهمه الإسلاميّون بالديكتاتوريّة أن يلعب دور الإخوان ويستثمر الدين ويلبس جبّته ويظهر لبني جلدته أنّه من المدافعين عنه، وأنّه لا خوف على الإسلام مع رئيس هكذا مؤمن وحاجٍّ. وأنّه "حامي حمى الدين والدّنيا".

وفي كلّ حالات النّظام السياسي العربي عموما والتونسيّ أساسا، تحضر الصّورة تسويقا لرجل السياسة الذي بشّر الناخبين بعلمانيته ووعدهم بفكّ الارتباط بين الدينيّ والسياسيّ، تحضر الصورة وتنتشر وتسوّق لسياسيّ ركب الدّين من أجل السياسة، وهنا يبقى النّاخب محتارا أيصدّق قول السياسيّ إنّ التّديّن شأن شخصيّ وجب إبعاده عن مجريات السياسة؟ أيصدّق صياح سياسيّي اليسار إنّ الإسلام السياسيّ يتدثّر بالدين لمقاصد سياسيّة؟.

طبعا هذه الأسئلة تستقيم مع عقل سياسيّ يحترم ما يُصطلح عليه في الأدبيّات السياسية بالعقد الانتخابي، وهو الميثاق الأخلاقي الذي قطع بموجبه السياسيّ وعدا لناخبيه باحترامه، ولعلّ ما نرى من هرولة سياسيّي نداء تونس إلى الاستثمار في الدّين ضرب من ضروب الاتّجار به، لا يليق بمن يدافع عن مدنيّة الدولة أن يتحوّل ناشرا لصور صفّه الأوّل خاشعا أمام المقامات في أضرحة الأولياء الصّالحين، أو ينافس رجال الدين في لباس الجبّة وتنزيل صوره بالجوامع التي كان في حملته الانتخابية يصرخ لتحييدها وينبّه التونسيين إلى مجموعات سياسيّة تستثمر في الدين، ولكنّنا اليوم نقف مشدوهين أمام براغماتيّة الخطاب السياسيّ في علاقته بالفضاء المسجديّ.
لا يعنينا في الواقع أن نتوقّف عند الصّور التي أثارت حبرا كثيرا بمناسبة إحياء ليلة القدر المبارك والتي جمعت بين رأسي الحزبين الأكثر عدديا؛ النداء والنهضة، بين محسن مرزوق وراشد الغنوشي؛ ظهر الأول بجبّة تقليديّة باهضة الثمن، تقول بعض التّعليقات: إنّها جديدة وفاخرة ويلبسها صاحبها للمرّة الأولى، هذا اليساريّ سابقا، الندائيّ اليوم، المدافع، سابقا، عن حتميّة فكّ الارتباط بين السياسي والدينيّ، وظهر الثاني، راشد الغنوسي في لباس الافرنجة في ليلة القدر، لم يترك للنمط الغربي قطعة، من البذلة الرسميّة ورباط للرقبة وقميص وحذاء، تناسق في اللباس الغربيّ في ليلة دينيّة، حتى كان يمكن لغير العارف بالرّجال أن يتوهّم أنّ ذاك غير ذاك، وأنّ ذا ليس بذا وأنّ ذاك هو ذا، وأنّ ذا هو ذاك، التباس في الأدوار وفي الأذهان، ولبس كلّ منهما ما ينقصه داخليا وفعليّا، وارتقى كلّ منهما من ممارسة السياسة باعتبارها خطبة إلى السياسة باعتبارها نسقا ونظاما. 

من الطبيعيّ كذلك أن تشهد كل هذه الصّور قراءات كثيرة تبلغ أحيانا حدّ التناقض، و لا غرابة، ففي عصر الصّورة أطاحت أممٌ بدكتاتوريّات، وعلى رأسهم تشاوسشكو، ولا ننسى أنّ سقوط بغداد كان ببلاتوهات الجزيرة قبل شوراعها، ولا ننسى أنّ أولى صور وزراء الترويكا كانت بمكاتبهم وهم  يؤمّون موظفيهم في الصّلاة، ولا ننسى الصّورة التاريخية وما صاحبها من تعليقات عاشقة لرئيس مؤقت يأكل في كافيتيريا الأمم المتحدة، وأخيرا وليس آخرا، عودة رئيس الحكومة السابق المهدي جمعة إلى الساحة الإعلاميّة  بصورة يظهر فيها يشتري الخضر، ولا يفوتنا ما انتبه إليه المبحرون من أرضية مشتركة بين النداء والنهضة وهي ساعة باهضة الثمن ذائعة الصّيت ستعدّل من الكراهية الباطنة بين الحزبين ليكونا على إيقاع تونس.تبقى كلّ تأويلات اللباس تأويلات نسبيّة، فقد تكون الصّدفة وراء اللباس، وجري المحلّلين التيه وراء المعنى والرمزيّة والخلفيّات والرسائل السياسيّة،. لا معنى له، وعيدكم مبروك على غير صيغ السّياسيّين.



ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg