سعود وساعات تعريّة زنود
بقلم سعد برغل
من المنتظر ككلّ برمجة رمضانيّة أن يتابع النظّارة كمًّا من الإنتاج السمعيّ البصريّ من مسلسلات وبرامج ترفيهيّة وكاميرا خفيّة، منوّعات من المفروض أنّ القطاع العامّ فيها يختلف عن القطاع الخاصّ،
قلت من المفروض أن يختلفا؛ لأنّ القطاع العام مرفق عموميّ يقع تمويله من دافعي الضّرائب، في حين يّعوّل الخواصّ على مداخيل الإشهار التي ترغم القنوات أحيانا على تنازلات معارضة لقناعات للمشرفين عليها، ومعلوم أنّ الشركات المستشهرة تختار القنوات الأكثر استماعا والبرامج الأكثر متابعة، ومن هذا الجانب الاشهاري تظهر أهميّة استبيانات الرّأي وميولات المستهلكين ورصد " الأكثر مشاهدة" و" نسبة المشاهدة" لأنّ المعلومة لا يتوجّه بها متلفّظها إلى الجمهور العاديّ بل إنّه يعطي معلومة للمستشهر صاحب الشّركة، وهو ما أنتج في تاريخ استطلاعات الرأي، حتى في الحملات الانتخابيّة، حالات تزوير وبيع لشهادة" الأوسع انتشارا" أو " الأكثر مشاهدة".
ويكفي أن تكتب التوليفة " الأكثر انتشارا" بمحرّك البحث غوغل حتى تعرف جغرافية انتشار المصطلح التجاري التسويقيّ وتغطيته لكلّ المحالات من إعلام ولغات وأمراض ومخابر بحث واكتشافات، ولعلّ التّدقيق يفضي إلى أنّ التوليفة التّسويقيّة لا تعنيها عالميّا البرامج التلفزيّة أو الحصص الإذاعيّة لأنّها من جهة علم الإشهار، ذات مردوديّة غير كبيرة مقارنة بما يمكن أن تحصل عليه مخابر التجميل العالميّة أو مخابر الماركات العالميّة من موضة وأحذيّة وسيّارات، وهي الواجهة الصّناعيّة الأكثر شراسة في عالم اللّيبراليّة، ويبقى ما نلاحظه بشكل شبه يوميّ من تنافس بين قنواتنا في ادّعاء الصّدارة دليل على أنّ القائمين لم ينتبهوا أنّ العالم أوسع من قنواتنا التونسيّة، وأنّ نسبة المشاهدة ليست مسألة قابلة للتكميم والتقييس والعيّنات الممثّلة لعموم المستهلكين، وهي معايير الرّصد، وقد عاب الكثير على مسلسل"حكايات تونسيّة" أو " أولاد مفيدة " إيغاله في الإثارة أو تضخيم بعض الحالات الاجتماعيّة وتحويلها من الإستثناء إلى القاعدة حتى يضمن صدارة نسبة المشاهدة وهو ما حقّقه منتج المسلسلين بنسبة استحواذ تبلغ 45٫1، وهي نسبة يحلم بها صاحب كلّ مؤسّسة خاصّة.
كيف يمكننا التعامل مع الجري وراء" احداث الضجّة " أو تصدّر نسبة المشاهدة؟ هل نعقلن الأمر، ونقول كما يقول كثير من الاتّصاليين والمختصّين في نظريّات الاستهلاك، إنّ الأمر عاديّ جدّا، الخواصّ يبحثون عن أفضل السّبل للاستثمار وجلب المستشهرين، بل يقول التّاريخ إنّ كبريات الصّحف الأمريكيّة كانت تبيع صفحاتها وقرّاءها إلى المترشّحين للرّئاسة، وتتحوْل بقدرة المال من جبهة الدّيمقراطيين إلى جبهة الجمهوريّين، ولا تثريب قانونيّ عليها، كما تعتمد مجلاّت كثيرة إلى تجاوز أزماتها الماليّة باعتماد غلاف مثير ويعرّض المصوّرون أنفسهم للضّرب والملاحقة القانونيّة لأنّهم سعوا لالتقاط حميميات المشاهير، ويعرف المشهد الإعلاميّ حالات تعريّة على الهواء مباشرة ولا غرض من مثل هذه الظّواهر إلاّ الحصول على "أعلى نسبة متابعة" بحثا عن المال والمستشهر، فقد خطف رامز جلال مثلا نسبة المشاهدة من عادل إمام الذي استحوذ عليها سنوات، وأرجع المحللّون الأمر إلى انتقال الذائقة الاستهلاكية من التمتّع باللغة والجسد الطبيعيين إلى الإثارة والتشويق والتصنيع وتأثير أفلام الرّعب في أجيال المشاهدين العرب.
هوس الترفيع في نسبة المشاركة بلغ تقليعات اتصاليّة غير مسبوقة بالقطاع التّلفزيّ الأمريكيّ من خلال ماعمدت إليه المقدّمتان التّلفزيتان "جيني ماكرثي" و"شيري شيبيرد"عندما ظهرتا عاريتين في برنامجهما" The View" على قناة ABC ، وقد استوحتا الفكرة من مسلسل أمريكي شهير" الفتيات". تبقى المسألة ضروريّة في التفريق بين المرفق العام والشّركات الاتّصاليّة الخاصّة، و لا يمكن بحال تقييم الاستثمار الخاصّ بمعايير أخلاقيّة فالأصل في الخاصّ، مهما حاول إقناعنا بانخراطه في المقاصد الاجتماعيّة، هو ضمان الحياة لشركته، ولذلك نشهد كلّ سنة تسابقا في توفير"الجمهور عاوز كدا" من مسلسلات ومنوّعات وإيقاع قد يتعارض أحيانا مع خصوصيات هذا الشّهر لكنّه يستجيب إلى خصوصيّات الاستثمار الخاصّ.
