من حكايات هذا الزمان

بقلم سعد برغل

أولى الحكايات تأتينا من مقاهينا في ليالي رمضان، تحوّلت هذه الفضاءات مجمعا للتحاليل السياسيّة إلى درجة أنّ الجالس بالمقهى يدرك وطأة الحياة السياسية على المواطن التونسيّ، فالشأن العام أصبح متاحا للكلّ ليخوض فيه، فرئاسة الحكومة والوجوه المرشّحة تخضع في كل ليلة وقي كلّ مقهى إلى تقييمات تختلف قي جدّيتها، لكنّها تشترك في حالة اليأس التي يشعر بها المواطن حتى أصبح بين التونسي والمستقبل سدّ سميك يمنعه من تبيّن شخصية وطنيّة يمكن أن تساعد على تجاوز الأزمة التي تتخبّط فيها تونس منذ مدّة، فالحياة السياسية بتجاذباتها الحزبيّة وولاءاتها الداخلية والخارجيّة والحصحصة التي تمنع من اقتراح الرجل المناسب في المكان المناسب حياة أجمع روّاد المقاهي أنّها أصبحت معضلة وطنيّة، ويتساءل  المواطن بين الرشفة والرشفة كيف يمكن لرئيس حكومة جديد أن يقطع مع التقاليد السياسية بتونس بعد الثورة، تقاليد الإبقاء على الموجود، فليس بمقدور الوزير أو المدير العام أن يراجع التعيينات أو أن يفتح ملفات أو أن يدافع عن مشاريع قوانين دون أن يصطدم بكلّ الأوراق الحمراء الممكنة، أوراق يرفعها الاتحاد وأوراق يرفعها الموظف المنفلت من القانون، وأوراق يرفعها التحزّب والتوافقات الحزبيّة، وأوراق ترفعها الدّول العظمى، فكيف لحكاية رئيس وزراء مهما كانت قدراته أن تتمكّن من انتشال الوطن من السرعة الغريبة للانحدار لعلّ أخطرها المستويات غير المسبوقة لتدهور الدينار التونسيّ و لغلاء المعيشة التي دفعت الكثير إلى تشريع الكسب غير الشروع؟

حكاية ثانية من هذا البلد تتعلّق بالمشهد الثقافي، مشهد بدأت ملامح أزمته تظهر منذ أشهر مع عسر التعامل المالي مع التظاهرات الثقافية والفنية وعزوف الكثير عن الإسهام في الحركية الثقافية نظرا إلى تعقّد آليات الصرف الجديدة مع وزارة الثقافة، وهو تعقّد ناتج عن حلّ اللجان الثقافية والاعتماد على المراقبة القبلية واعتبار الثقافة سلعة يجب أن تخضع إلى الفوترة الصارمة وإلى الانضباط الإداريّ، وهي إشكالية جعلت القائمين على الشأن الثقافي يلغون كثيرا من التظاهرات المبرمحة وعدم برمجة تظاهرات اعتاد عليها المواطن بمناسبة شهر رمضان خاصّة حفلات ليلية المدن ومهرجانتها، واكتفت بعض المندوبيات بالتعويل على اجتهادات جمعيات محليّة أو جمعيات صيانة المدن مع دعم مالي للبعض نظرا إلى كثرة الوثائق الإداريّة للحصول على التمويل العمومي، وهي ظاهرة ستستفحل أكثر بعد العيد مع المهرجانات الصيفيّة ، إن استثنينا بعض مهرجانات السيادة مثل مهرجان قرطاج الدولي أو مهرجان الحمامات، ستعاني البقية إمّا من فقر البرمجة أو الإلغاء، لذلك فكثير من مديري هذه المهراجات مازالوا ينتظرون وعود تمويل ولكنهم لا يستطيعون إبرام عقود مع الفنانين والمسرحيين خوف عدم الحصول على هذه التمويلات.

حكاية ثالثة من هذا البلد ومن مقاهيه، حكايات الاغتيالات والقتل العشوائي لأبرياء باسطنبول والعراق وسوريا وقبلها ببلجيكا وباريس وآخرها ببنغلاداش، والإمضاء واحد، الإسلام السياسي ممثّلا في أبشع فصيل عصريّ له، وبتشعّب التحليل السياسي لظهور الدواعش وأدوار الحكومات العربية في تمويله والصمت عن فظاعاته، وعن أدوار الغرب وأمريكا في بعثه، وبين متحمّس إلى ضرورة إنقاذ الانسانية من براثن وحوش متدثّرين بالدين وبين شامت في الحكومات العربية والغربية متناسيا أن الضحيّة هو الانسان أوّلا وأخيرا بقطع النّظر عن جنسه وبلده ولونه، فالإنسان هو دوما وقود الحروب وهو دوما الخاسر الأكبر لمعالمه وثقافته وحياته، ويتلفت الكلّ إلى الكلْ متسائلا عن بالإمكان أن نأمل في تعايش دوليّ سلميّ أمام عولمة الإرهاب؟ من عليه أن يكون القائد في هذه الحرب؛ أهو السياسيّ ، أم المثقّف أم العسكريّ أم المواطن؟ ولكل مواطن دوره في محاصرة الظّاهرة.

حكاية أخيرة يطلقها أحد السّمار الأوفياء للمقهى، سؤال مربك للتونسيّ؛ شكون قتل بلعيد؟ ومن سفّر أطباء دفعت المجموعة الوطنية من مقدّراتها ليتخرّج طبيبا؟ ومن دفع أبا محترقا بضياع ابنه في بؤر التوتّر إلى السفر والموت بعيدا عن أرضه وهوائه؟ حكايات لو كتبناها لكانت في مرارة الحنظل.

 لا يلزم المقال إلاّ صاحبه.