موسم الهجرة إلى الخواصّ

بقلم سعد برغل

منذ أسبوع أو أكثر أسال ظهور يوسف الشاهد في قناة خاصّة كثيرا من التساؤلات وكثيرا من ردود الفعل جعلت من هذا الظهور في حد ّذاته حدثا غطّى في تحاليل كثيرة عن مضمون الحوار فلم يلتفت الكثير إلى ما جاء فيه من وضوح ما يتعلّق بصلاحياته باعتباره رئيس حكومة لا وزيرا أوّلا رغم كثرة إلحاح الصحفيّ على جرّ الحديث إلى إمكانية ارتهان القرار بسلطة قرطاج أو إملاءات مونبليزير،

كان الرجل واضحا وشديد التأكيد على أنّه يمارس صلاحياته الدستوريّة رغم كثرة القائلين باستلاب شخصيته وارتهانه إلى أحد الشيخين. صلاحيات كان من المفروض أن يحترمها من قرأ مشهديّة الحوار والديكور والجمهور والوزراء.

هل "أذنب الشاهد عندما توجّه إلى قناة خاصّة لتوضيح ما يهمّ حكومته في عملية التحوير الوزاري الجزئي وفي توتّر العلاقة بالاتحاد وفي نسبة النموّ وفي العلاقة مع وثيقة قرطاج؟ هل هناك ذنب قانونيّ؟ هل هناك ذنب أخلاقيّ؟ هل هناك مانع اتصّالي وسياسيّ؟ بودّي أن أسأل من هاجم اختيار قناة خاصّة لمثل هذا الحوار، وأضيف إلى ذلك سؤال النوع الاتصالي: هل من حقّ السياسي أن يضمن إلى جانبه وضمن فريقه أكثر القنوات التلفزية مشاهدةّ سؤال مشروع لأنّ التسويق السياسي يفرض على الفريق الاتصالي أن يشتري مساحات بثّ وأن يشترط في عقد الاستشهار اطّلاعا على الأسئلة واتفاقا واسعا يمكن أن يشمل نوع كرسيّ السياسيّ ونوع كأس الماء الموضوع على الطاولة ولون الإضاءة ومن يجلس في الصفوف الأمامية من الجمهور، تقنيات اتصالية وحرفية تسويق هل يقدر عليها القطاع العموميّ اليوم؟ إذن من المخطئ أساسا، الشاهد الباحث على مخاطبة أكبر عدد من التونسييّن أم قنواتنا العموميّة التي يستحيل أن تواكب المتغيرات وتبقى وفيّة لبرمجتها و لا تغيّرها مادامت نفس العقلية تصول بها وتجول.

سؤال آخر في الاختيار يدفعنا إلى ملاحظة أنّ قناة خاصّة أخرى قبلها بليلة استدعت الوزير المستقيل أو المُقال"عبيد البريكي" ولي هنا أن استعدي الصحافيين في القطاع العمومي لسبّي لأني سأصرخ  عندما يكون بالقطاع العمومي صحفيّ في قدرة حمزة البلومي أهلا بالسياسيين في الفضاء العموميّ، وإلاّ سنشهد سياسيا واحدا يجتمع عليه وإليه ثلاثة صحافيين ولا نعرف ماهي الاستراتيجية الإعلامية التي سينتهجها هؤلاء الذين سيرتبكون لافتكاك الكلمة وكثيرا ما نجد أنفسنا في كهف الحوارات المسيرة عن بعد، حتى لا نتبيّن سؤال الصحفيّ من سؤال رئيس التحرير القابع في الكواليس، ويبقى أمر الإعلام الخاصّ محيّرا أمام قدرته الرهيبة على التأقلم مع المستجدّات بلا روتين إداريّ ولا هرميّة قاتلة في اتخاذ القرار، إعلام خاصّ اكتسح المشهد بفاعليته ونجاعته وقدرته على شدّ الجمهور بما يقدّمه، من حوارات سياسيّة نافذة ومن مواضيع جريئة وطرح مهنيّ، ويبقى العزاء لأهل الإعلام العموميّ الوقوف على الربوة فلا سيفه مع معاوية ولا قلبه مع عليّ، وتبقى جحافل المنتمين إلى القطاع العموميّ متفرّغة للنضال الصحفيّ الفايسبوكيّ مندّدين باستضافة قناة خاصّة لرئيس الحكومة.

مع حكومة  الشاهد رأينا فريقه الحكوميّ معه في قراءة قالت مستهجنة هذا الحضور باعتباره ديكورا  مسيئ للوزراء كأنّ من نظّم الحوار غير مدرك لضرورة إرسال صورة ثانية للمجتمع التونسيّ تؤكّد أنّ الفريق واحد وأنّ الرؤية التي سيقدّمها رئيس الوزراء ملزمة للفريق، بل إنّ ما يخوض وزير التربية من صراع لغوي مع نقابات التعليم الثانوي لا يخوضه بصفته ناجي جلول بل باعتباره أحد الفريق الحكومي، ولا غرابة أن تركّز الكاميرا أكثر من مرّة على حضوره، هي القراءات التي تجعل مقاربة السياسي والتلفزة تحتاج منا اليوم آليات جديدة لقراءتها، فقد ولّى عهد المخاطب الوحيد وانتظار التونسي لنشرة الثامنة، أصبحت القنوات مشروعة لكلّ من يريد أن يسوّق خطابه، و كونك مرفقا عموميا لا يعني أنّه من حقّك أن تكون صاحب الحقّ في الحوارات الحكوميّة الحصريّة، وبالأمس القريب اختار الباجي قائد السبسي قناة نسمة لتسويق صورته، وبالأمس كانت قناة الزيتونة في خدمة اليمين، واليوم آن للمرفق العموميّ أن يدافع عن حضوره وأحقيته بجودة العمل لا بالبيانات التي أكل عليها الدّهر وشرب منها كلّ من اكتفى بجرايته الشهرية فلا نراه بالمقرات ولا نسمعه بالراديوهات ولا نقرأ له بالجرائد، حتى إذا تحوّل هو نفسه إلى القنوات الخاصة قتل نفسه بحثا وتميّزا.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.