الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2017/01/10 11:27

إسقاط الجنسيّة عن الإرهابيين العائدين : علاوة على لا دستوريته فهو إجراء غير قابل للتطبيق و يفتقر للجدّية !

إسقاط الجنسيّة عن الإرهابيين العائدين : علاوة على لا دستوريته فهو إجراء غير قابل للتطبيق و يفتقر للجدّية !

 بقلم محمد المؤدب

في خضمّ الجدل القائم عمّا يمكن اتخاذه من إجراءات كفيلة بالتصدّي للإرهابيين المرتقب عودتهم لمنطقتنا من بؤر التوتّر إثر تطوّر مجرى المعارك في العراق و خاصّة في سوريا، 

و رغم التوضيحات التي قدّمها في الخصوص كلّ من السيدين، رئيس الجمهوريّة ليلة السبت 31 ديسمبر 2016 بمناسبة حلول سنة إداريّة جديدة، و رئيس الحكومة في الأيّام الموالية، يواصل عدد من السياسييّن تنظيم التظاهرات المتكرّرة للتعبير عن تمسّكهم برفض عودة أولائك الإرهابييّن و خاصّة باقتراح إسقاط الجنسيّة التونسيّة عنهم و لو أدّى ذلك، لتحوير الدستور (!).

ذلك الاجراء، و علاوة على عدم دستوريّته، فهو غير مقبول مبدئيّا، لا وطنيّا و لا دوليّا، و عمليّا غير قابل للتطبيق و لا يمكنه تحقيق أيّ من الأهداف المرجوّة منه بل بالعكس يثير العديد من الإشكاليّات و التساؤلات و من المؤكّد يسيئ لتونس ما بعد 2011 وهي في غنى، كلّ الغنى عن ذلك. 

و في ما يلي أهمّ الإشكاليّات و التساؤلات التي يثيرها ذلك المقترح في هذه الفترة بالذات:

1. من البديهي أنّ تنصيص الدستور في فصله 25 على تحجير إسقاط الجنسيّة على التونسيّين لهو أحد أهمّ المكاسب و ضمانات الحقّ في المواطنة والانتماء لهذه البلاد، خاصّة و أنّ الأمر يتعلّق في هذه الحالة بالموطن الأصلي، إذ أنّ جلّهم تونسيّون بالولادة. و لا بدّ من الإشارة إلى خطورة الأمر لو توصّل مجلس النوّاب، لا قدّر الله، إلى تعديل الدستور في هذا الاتّجاه، فالخطر كلّ الخطر أن يكون بإمكان أيّ طرف وصل لسدّة الحكم، إسقاط الجنسيّة عن أحد خصومه من بني وطنه حتّى و لو بتهمة الإرهاب، خاصّة و أنّه لا أحد توصّل لتعريف الإرهاب تعريفا موضوعيّا متّفق عليه  لا لبس فيه. و لكلّ أن يتصوّر ما يمكن حصوله من انحرافات في توظيف ذلك التعديل لتصفية الخصوم سياسيين كانوا أو غيرهم.

2. إنّ أغلب الإرهابيين المعنيين في هاته الحالة، وحيدي الجنسيّة، تونسيّي الأصل بالولادة. فما هو مصير ممّن تسقط عنه جنسيّته الوحيدة التونسيّة؟ هل ستقبل دول إقامتهم ذلك و تمكّنهم من مواصلة الإقامة بها؟ ما هي التّداعيّات المحتملة لذلك على علاقات تونس بتلك الدول؟ إنّ إسقاط الجنسيّة على أولائك الارهابييّن يطرح مبدئيّا و مباشرة مسألة مآلهم بعد ذلك؟ بدون جنسيّة ؟ أي معدمي الوجود القانوني و الإداري رغم وجودهم الفعلي؟ حقيقة، يشكّل هذا المقترح سابقة في تاريخ تونس ، تبقى مرفوضة من حيث المبدإ على المستويين الوطني و الدّولي.

3.    الجوانب الغير عمليّة للإجراء المقترح:

في البداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ العديد من النقاط العمليّة الهامّة، بقيت تتطلّب المزيد من التوضيح من قبل أصحاب المقترح وهو ما سيبيّن لهم استحالة تنفيذه في الواقع و تداعيّاته الجسيمة على البلاد، و هذا أقلّ ما ينتظر من النخب، سياسييّن و نوّاب شعب.

و من تلك النقاط المبهمة، الآتي ذكرها:

مفهوم العودة ؟ عن أيّ عودة نتحدّث ؟ هل هم فريق واحد أو حتّى فرق منظّمة ينتظر عودتها جماعات في فترة معلومة إثر انهزامهم في مناطق أخرى أو انتهاء مهامّهم؟ و من قال أنّهم سيعودون لتونس بالذات؟ إذ الأرجح أنّهم، إثر الضغط الميداني عليهم بمناطق الحرب بالعراق و الشام، سيبحثون عن ملاجئ آمنة و ميادين جديدة لمواصلة "جهادهم ضدّ الكفّار". فعلا، إنّ المنطقة المحيطة بتونس، ليبيا و دول الساحل و الصحراء، توفّر ميادين معارك مناسبة لحاجيات تلك الجماعات في هذه الفترة، و من ذلك المنطلق، من لا يستبعد أن تعود أعداد هامّة بما فيهم التونسيّون لتلك المنطقة الشاسعة لإعادة تنظيم صفوفهم و تعزيزها بانتدابات جديدة و بالأسلحة و التخطيط للمرحلة الموالية. طبعا هذا لا يمنع سعي قلّة منهم لدخول تونس و إنهاء مغامرتهم "الجهاديّة"، إلاّ أنّ هؤلاء لن يشكّلوا حتما الأغلبيّة. إذن هي تسلّلات، متخفّية عن أعين القوّات الأمنيّة، للمنطقة قصد مواصلة "الجهاد" و ليست عودة في شكل سفرات معلومة للوطن بعد انتهاء المهمّة أو بقرار جماعي أو شخصي.

- أشكال العودة ؟ للتذكير، يتعلّق الأمر بإرهابيّن لا يعترفون لا بالنظام الدولي القائم و لا بالحدود، و حربهم ضدّ "الكفّار" لا حدود لا جغرافيّة و لا زمنيّة لها. أمّا لتنقّلاتهم، فيستعملون وثائق مزوّرة و ينتحلون صفات غير حقيقيّة و باستثناء حالات نادرة فهم يتنقّلون عبر المسالك الغير قانونيّة المعهودة و باستعمال وسائل نقل توفّرها دول و جهات متواطئة معهم، يجوبون بها الجبال و الصحاري و حتّى البحار في أمان. فعودة أغلبهم لن تكون إلاّ في صيغة تسلّلات فرديّة و في أقصى الحالات في مجموعات محدودة العدد عبر مسالك و في أوقات لا تلفت انتباه المصالح الأمنيّة. فالعديد منهم لن يعود لتونس بمفهوم انتهاء مهمّة الجهاد، و العودة للحياة العادية، بل سيواصلون "الجهاد" مفتكين بالشّيوخ و الأطفال و النساء و مدمّرين لكلّ ما يأتون عليه في طريقهم، و ذلك في أيّ رقعة كانت من الأرض و أحبّها لهم من يشهد أهلها أن لا إلاه إلاّ الله و أنّ محمّدا رسول الله.

          و بناء على ما سبق، فأيّ عودة يرفض أصحاب المقترح؟ و ما سيكون التأثير الفعلي لقرار رفض عودة الإرهابيّين التونسيّن على أنشطتهم و على مصيرهم ككلّ؟ هل هم في حاجة لشهادة جنسيّتهم لمواصلة جهادهم في تونس أو في غيرها من أصقاع العالم؟

-  آلية إسقاط الجنسيّة؟ من الضروري بيان الجهة التي سيعهد لها إصدار قرار سحب الجنسيّة و الآليّة المزمع اعتمادها لذلك، هل هو القضاء؟ إثر محاكمة؟ إذن بعد العودة و المثول أمام القضاء؟ لكن كيف يمكن ذلك و أنتم ضدّ عودتهم لتونس حتّى يتسنّى للقضاء النّظر في إسقاط جنسيّتهم؟ أم هو قرار سياسي بحت؟ فمن سيتّخذه و حسب أيّ آليّة ؟ هل هي قرارات فرديّة أم جماعيّة؟ ثمّ بناء على ماذا تتّخذ تلك القرارات؟

من هم المعنيّون بإسقاط الجنسيّة و المنع من العودة لتونس؟ طبعا لا يمكن تطبيق هذا الإجراء عن الإرهابيّين المتواجدين داخل البلاد، إذ في تلك الحالة، ماذا نفعل بهم، لأيّ جهة نسلّمهم بعد تجريدهم من الجنسيّة التونسيّة؟ و أيّ بلد سيقبل تسلّمهم ؟ و تحت أيّ غطاء قانوني يمكن تسويق ذلك في الداخل أو الخارج؟

و بالنسبة للإرهابيين الواقعين خارج البلاد، كيف يمكن عمليّا تطبيق الإجراء المقترح عليهم و منعهم من العودة؟ أ يكفي الإعلان عن إسقاط جنسيّتهم و منعهم من الرجوع للبلاد، دون محاكمة، عبر وزارة الخارجيّة و القنصليّات بالخارج مثلا؟ بناء على أيّ مقاييس أو مستندات قانونيّة يتمّ ذلك؟ ثمّ ما هو تأثير مثل ذلك الإجراء على المعنييّن بالأمر؟ أ يمنعهم ذلك من مواصلة جهادهم ضدّ تونس و غيرها؟ الانخراط في هذه الجماعات الظلاميّة لا يتطلّب تزكية أيّ من الجهات الرسميّة و الحقوقيّة و لا حتّى الأمميّة. إذن ما الجدوى من كلّ هاته الغوغاء، ندوات و مسيرات و مزايدات في الوطنيّة و ... ؟

 قد يقع البعض من بين الإرهابيّن التونسييّن النشطين خارج البلاد، بأيدي دول أخرى و يحاكمون فيها طبقا لقوانينها. و عند انتهاء مدّة عقوباتهم، من المرتقب أن تطلب تلك الدّول من تونس تسلّمها إيّاهم، فماذا يكون ردّ تونس حينئذ، بعد أن تكون هذه قد أسقطت عنهم جنسيّتهم التونسيّة؟ هل من المعقول أو المقبول، أن تتملّص تونس من مسؤوليّاتها تجاه رعاياها و إنكار تبعيّتهم لها؟ كيف يمكن تبرير ذلك: هؤلاء الإرهابيّون التونسيّون يشكّلون خطرا على الأمن القومي التونسي فقرّرنا التخلّي عنهم لكم، بعد أن جرّدناهم من جنسيّتهم؟ أيّ صورة لبلادنا سيترك مثل هذا الموقف في المحافل الدوليّة؟ الشّفقة كلّ الشّفقة على دبلوماسييّنا عند مقابلة نظرائهم لشرح الموقف التونسي من ذلك !!!

 هذه بعض الإشكاليّات المبدئيّة و العمليّة التي كان لا بدّ على أصحاب مقترح إسقاط الجنسيّة على الإرهابيّين العائدين من مناطق التوتّر، التفكير فيها مليّا و إيجاد الأجوبة العمليّة لها قبل المضيّ قدما و تنظيم التظاهرات و المسيرات، دفاعا عن مقترح لا زال دون مضمون ملموس.

 و إلى ذلك الحين، يبقى مقترح إسقاط الجنسيّة عن الإرهابييّن التونسييّن و رفض رجوعهم للبلاد، مقترحا مرفوضا من حيث المبدإ و الجوهر، و الأهمّ من ذلك أنّه غير قادر على تحقيق أيّة نتائج، فهو لن يمنع الإرهابيين المعنيين لا من التسلّل للمنطقة و لا داخل تونس ذاتها و لا من مواصلة أعمالهم الشنيعة. و بذلك فهو مقترح غير جدّي بالمرّة و لا يشرّف تونس، تونس صاحبة دستور 2014 الذي لا أحد يتمنّى تعديله لإدخال مثل هذا التحوير الذي يهدّد التونسييّن في مواطنتهم حتّى و إن كانوا إرهابييّن، فنسبة هذه الصّفة ذاتها، للقضاء وحده صلاحيّة إقرارها بعد إثباتها بالأدلّة. فلا بدّ من المحاكمة أوّلا، أ لسنا نطمح لدولة القانون ؟

 يبقى التونسي مواطنا، حتّى لو كان إرهابيّا، و بتلك الصّفة "مواطنا تونسيّا" لا بدّ أن يحاكم من قبل القضاء و عند اللزوم و ثبوت التّهم، تسلّط عليه العقوبات القانونيّة الصّارمة و تنفّذ بدون تردّد حتّى لو كانت عقوبة الإعدام. أمّا تجريده من جنسيّته أي من مواطنته بصفة اعتباطيّة، فيعدّ من باب تفصّي الدولة من مسؤوليّاتها و تخلّيها عن رعاياها وهو ما يرفضه كلّ تونسي عاقل و دستور 2014 و الأعراف الدّوليّة.  

 أ لم يكن حريّا بنخبتنا السياسيّة البحث عن حلول لمشاكل تونس الحقيقيّة: التشغيل، صندوق التعويض، عجز الصناديق الاجتماعية، الإصلاحات في مجالات الصحّة و التربيّة و الإدارة و التقاعد و غيرها من القضايا الشائكة التي تمسّ المواطن في حياته، عوضا عن إلهاء الشعب بمسرحيّات و مزايدات سياسويّة لا تسمن المواطن و لا تغنيه من جوع ؟

- حفظ الله تونس -   

 ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg