الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2015/12/09 20:50

الحرب الأخرى على الإرهاب.. " الفكريّة الثقافيّة " ؟

الحرب الأخرى على الإرهاب..

-بقلم محمد المؤدب-
للتصدّي لظاهرة الإرهاب، من الطبيعي أن تبادر القوّات المسلّحة وقوّات الأمن الدّاخلي بشنّ حرب ضدّ المجموعات والعناصر الخارجة عن القانون بحكم رفعها السلاح في وجه الدولة والمجتمع وذلك لغرض القضاء عليها بالمفهوم العسكري والمادّي للكلمة.

إلاّ أنّه بصفة عامّة، لم تسجّل الحروب و العمليّات الأمنيّة العسكريّة التي شنّت ضدّ الإرهاب منذ ما يزيد عن عقدين و لا تزال متواصلة في العديد من بلدان العالم، إلاّ نجاحات متواضعة و مؤقّتة و محدودة في الزمان و المكان، حيث بحكم تواصل انتشار الفكر التكفيري، فإنّ التنظيمات الإرهابية و رغم ما تتكبّده من خسائر في موقع و وقت ما، تتمكّن من إعادة تنظيم صفوفها في مناطق أخرى من العالم و تفريخ تنظيمات جديدة ، أحيانا بتسميات مختلفة و بعض الفوارق التفصيليّةّ، لكن كلّها تتبنّى إجمالا نفس الفكر و تعتمد ذات أساليب العمل لتحقيق نفس الأهداف و تحدث نفس الأثر. أمّا في السنوات القليلة الأخيرة، فلقد استغلّ الإرهاب الأوضاع الهشّة الناتجة عن الانتفاضات الشعبيّة بالعالم العربي و خاصّة تطوّر المشهد العراقي، ليحقّق نجاحات غير مسبوقة، حيث تطوّر من عمليّات محدودة في الزمان و المكان و مشتّتة، لا علاقة مباشرة بين العمليّة و التي تليها، تنفّذها خلايا محدودة العدد بوسائل غالبا ما تكون بسيطة و تقليديّة الصنع، تحدث خسائر متفاوتة الأهميّة لكن دون التوصّل إلى السيطرة على رقعة جغرافيّة ما و لو لحين، تحوّل ذلك الإرهاب ليأخذ شكل تنظيم مهيكل، له مقوّمات دولة ذات قدرات هامّة، قوّات مسلّحة تضمّ بين 30 و 40  ألف مقاتل للعديد منهم خبرة عسكريّة لا يستهان بها، مجهّزة بأسلحة ثقيلة متطوّرة،  يسيطر على مناطق شاسعة آهلة بما يزيد عن 10 ملايين مواطن بين عراقيين و سوريين، و تحتوي على مخزون من النفط يدرّ عليه أموالا طائلة. و لا زال التنظيم قائم الذات رغم التدخّل الجوّي، منذ ما يزيد عن السنة، لتحالف دولي يضمّ أعتى جيوش العالم. أمّا بالمحيط القريب من تونس،  و نظرا للوضع الأمني المتردّي بمنطقة الساحل و الصحراء و خاصّة بليبيا، فقد أصبحت هذه مسرحا آمنا للعديد من التنظيمات الإرهابية، بعضها أصيل المنطقة و أخرى متفرّعة عمّا يسمّى "تنظيم الدولة الإسلامية" أو مواليّة له، و ذلك لاستقطاب المزيد من العناصر و إعدادهم للمراحل القادمة انطلاقا من قواعد تمكّنت من السيطرة عليها بدون عناء كبير على غرار درنة و سرت و جزء من صبراطه، الواقعة على أقلّ من 100 كلم على الحدود التونسية، و تمكّن التنظيم من زرع نواة له في كلّ من تلك المدن.  و للأسف، و تحت ضغط التدخّل العسكري الروسي في سوريا، و كما هو متوقّع، تطالعنا الأخبار في هذه الأيّام بانسحاب أعداد هامّة من عناصر "داعش" و مشتقّاتها باتّجاه ليبيا، و هو ما يؤشّر لمزيد تنامى التهديدات الإرهابيّة على تونس. أمّا إخفاق الأمم المتّحدة، لحدّ هذه الساعة، في جمع الأطراف الليبيّة المتنازعة على حلّ سياسي توافقي للخروج من الأزمة، فهو معطى إضافي يرجّح احتمال تواصل تدهور الوضع الأمني بالمنطقة و بالمحيط القريب من تونس لسنوات طويلة قادمة.

         أمّا على المستوى الوطني التونسي و بعد كلّ تلك العمليّات الإرهابيّة، لقد حصلت شبه قناعة جماعيّة بضرورة مضاعفة الجهد الأمني العسكري مع التنسيق وطنيّا و دوليّا لدعم الحرب على الإرهاب حتّى القضاء على العناصر و الخلايا التكفيريّة و تفكيك شبكاتها. و في نفس الوقت، أصبح من المسلّم به، أنّ المقاربة الأمنيّة العسكريّة و رغم تأكّدها، بمفردها و مهما يكن حجم الخسائر التي تلحق الشبكات الجهاديّة،  لن تؤدّي للقضاء نهائيّا على الإرهاب كظاهرة، بل لا بدّ بالتوازي معها، من مقاربة فكريّة قادرة على دحض أطروحات السلفيّة الجهاديّة  و تقديم بدائل لها مقنعة، تمكّن بالفعل من حماية الشباب و المجتمع عامّة من الفكر التكفيري و من كلّ ما يجعل الشّاب، يقدم على استباحة دماء الأبرياء من مختلف الأجناس و الديانات و المذاهب حتّى لو تطلّب منه ذلك، الانفجار مع ضحاياه و الهلاك مع بني وطنه و دينه من الشيوخ و النساء و الأطفال الرضّع و غيرهم. و في هذا المضمار لا بدّ من الإقرار بالدور الرّئيسي الذي يلعبه العامل الفكري الدّيني في تحديد و تفسير ذلك السلوك الأعمى للإرهابيين إلى حدّ إقدامهم على عمليّات يعلمون مسبّقا حقّ العلم بهلاكهم فيها لا محالة. و بالفعل، يروّج الفكر الجهادي على أنّ ما نسمّيه "هلاك في العمليّات الانتحاريّة أو غيرها" على أنّه "استشهاد في سبيل الله و مفتاح دخول الجنّة".  و هنا تبرز الحاجة الملحّة لشنّ "حرب فكريّة " معلنة و منسّقة على الفكر السلفي الجهادي بالتوازي مع الحرب الأمنيّة العسكريّة و التي قد تتوصّل للقضاء على جلّ الإرهابيين بالبلاد و تفكيك شبكات إسنادهم المالي واللّوجستي و غيره ، إلاّ أنّها لن تقضي على الفكر التكفيري و لن تحول دون انتشاره و دون إقدام الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة على تبنّيه و مواصلة تهديد الدولة في كيانها و المجتمع في نمطه. أمّا البطالة و التهميش الاجتماعي الاقتصادي و الجهل و غياب الديمقراطيّة و العدالة، و على أهمّيتها، فتبقى في اعتقادي نقاط ضعف تستغلّ في بعض الحالات في استقطاب الشباب و استدراجه، لكن دون أن تكون عاملا رئيسيّا في تنامي الإرهاب، إذ المنطق يقول، قد يغامر من ضاقت به الدنيا و يركب هول البحر لبلوغ الأراضي الأوروبيّة بحثا عن فرص لبناء حياة أفضل و لا الالتحاق بالجماعات التكفيرّية في ميادين القتال مع علمه مسبّقا بنهايته الحتميّة، إمّا هلاك شبه مؤكّد أو في أفضل الحالات القبوع في السّجن .

        و بالرجوع للمجال الفكري الثقافي، تسجّل من حين لآخر على المستوى الوطني، مساع ومحاولات للردّ على الأطروحات التكفيرية إلاّ أنّها لا تحقّق، إلى حدّ هذا التاريخ نجاحات تذكر في دحض الفكر التكفيري، و لم تتوصّل بعد للنّفاذ لعقول الشباب المعني و ذلك في تقديري، لعدّة أسباب أقتصر فيما يلي على أهمّها :

-         يكمن السّبب الأوّل في فشل التصدّي للفكر الإرهابي، في غياب "سلطة فكريّة دينيّة مرجعيّة" قادرة على إنتاج خطاب ديني معتدل و خاصّة ذا مصداقيّة لدى العموم و قادرة كذلك على الردّ على الفتاوى المتشدّدة والتفسير السطحي لبعض الآيات القرآنيّة والمتعلّقة بالخصوص بمفاهيم "الجهاد" و"قتال المشركين" وعلاقة المؤمنين بأصحاب الديانات الأخرى وغيرها من الأحكام الفقهيّة ذات العلاقة التي تروّجها السلفيّة الجهاديّة. ويعود غياب "سلطة فكريّة دينيّة مرجعيّة" اليوم لما اعتمدته السّياسة التي سبقت أحداث 2010 / 2011، من تهميش متعمّد للمؤسّسات الدينيّة التي يعود إليها في الأصل لعب تلك الأدوار، منها جامعة الزيتونة و المجلس الإسلامي الأعلى وديوان الإفتاء وغيره. وبطبيعة الحال، إنّ إعادة بناء مثل تلك "المؤسّسات الدينيّة المرجعيّة" ، ذات المصداقيّة والخطاب الديني العقلاني المعتدل الذي يعتمد النصّ القرآني و السنّة النبويّة مع الاجتهاد ومراعاة مقتضيات العصر، يتطلّب إرادة وطنيّة صادقة ومن الأكيد حقبة زمنيّة طويلة.

 

-         من جهة ثانية، نلاحظ في ظلّ غياب خطّة شاملة منسّقة،  تشتّت المبادرات وضعف إمكاناتها ، إذ غالبا ما تصدر المحاولات في هذا الصدد بصفة فرديّة و محتشمة، من مفكّرين وأحيانا من مراكز دراسات وبحوث وحتّى جمعيّات المجتمع المدني، في صيغ وفي توقيتات وعلى وسائل اتّصال، تجعل وقعها على المجتمع وعلى الشباب خاصّة، يكاد لا يذكر رغم وجاهة بعضها. هذا بينما كان على الدّولة تخطيط وتنسيق هذه الحرب الفكريّة، باستغلال كلّ الطاقات والإمكانات الوطنيّة ووسائل الاتصال المناسبة، تماما كما هو مطلوب في أيّ حرب بالمفهوم العسكري، إذ يكمن الفرق بين الحربين، الأمنيّة العسكريّة والفكريّة، في الأداة والهدف، الفكر عوض السلاح كأداة والتأثير على عقول الشباب عوض تدمير العدوّ بالمفهوم المادّي كهدف.

            ويتطلّب تحقيق الأثر المرجوّ من الدّولة، تكليف جهة ما، وزارة الثقافة أو وزارة الشؤون الدينيّة أو غيرها، لتشرف على هذه "الحرب الفكريّة" وتنسّق بين مختلف الجهات من تنظيمات ومراكز بحث ومفكّرين ومثقّفين ومبدعين ومختصّين في مختلف العلوم الإنسانيّة ذات العلاقة منها أصول الدين وعلم الاجتماع والتاريخ والبيداغوجيا و البسيكولوجيا والثقافة بفروعها العديدة، وكذلك مع المؤسّسات التربويّة والمنظّمات الشبابيّة ومكوّنّات المجتمع المدني، مستغلّة في ذلك جميع وسائل الإعلام وتقنيّات الاتصال الحديثة المتاحة، حتّى تكون التدخّلات و المجهودات مركّزة و بالنسق والصيغة والمضامين المطلوبة وفي توقيت مناسب لبلوغ الأهداف المرجوّة منها ألا وهي، دحض واستئصال الفكر التكفيري من البلاد، مع نشر بدله قيم الاعتدال والتسامح والتعايش مع الاختلاف، لتعمّ هذه القيم المجتمع وبصفة خاصّة الأوساط الشبابيّة مكان خطاب التطرّف والتكفير، نعم هي حرب فكريّة ولا بدّ أن تكون هي أيضا شاملة. 

-         أمّا السبب الثالث لتواصل ظاهرة الانخراط والتطوّع بالآلاف في المشروع السلفي الجهادي وعدم التوصّل إلى حدّ هذا اليوم للتصدّي للفكر التكفيري وتقديم بديل له خاصّة في صفوف الشباب، فيكمن في تقديري في خطإ أو قل نقص في المنهجيّة المتّبعة، إذ يركّز المختصّون في شؤون الدّين والثقافة عامة جهودهم على إبراز أوجه الاعتدال والوسطيّة في ديننا الحنيف بالاستدلال خاصّة بآيات قرآنية منها على سبيل المثال:

" لا إكراه في الدين " ( البقرة ، الآية 256)،" و لو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعا أفأنت تكره الناس حتّى يكونوا مؤمنين " (يونس، الآية 10 )، " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس" (البقرة، الآية 142)،" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ " (النساء، من الآية171).

ذلك في حين يدعّم التكفيريون مواقفهم بالتفسير الظاهري و السّطحي ودون أيّ اجتهاد أو اعتبار لأصول تفسير القرآن الكريم من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وأصول الاجتهاد ويره، وذلك بالاعتماد هم أيضا على آيات قرآنيّة مع الاقتصار على التي تدعو في ظاهرها للجهاد مع حصر مفهوم الجهاد في قتال من يعتبرونه حسب قراءتهم "كافرا" مع الغلوّ كلّ الغلوّ في تحديد مفهوم الكفر والكفّار. ومن تلك الآيات على سبيل المثال، قوله تعالى: 

" كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " (البقرة:216)." فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ"  (التوبة:5)" انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (التوبة:41) " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَ الإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " (التوبة:111) 

        وهنا كان من الأحرى والأنجع الردّ مباشرة على تفاسير أدعياء العلم من التكفيريين للآيات التي يعتمدونها لبناء خطابهم الديني المتشدّد، بتقديم التفاسير المعتدلة والوسطيّة لنفس الآيات باعتماد منهج عقلاني ومتفتّح على مقتضيات العصر الذي نعيش. وبذلك التمشّي أي " الردّ المباشر على تفاسيرهم لنفس الآيات القرآنيّة وفتاواهم " يمكن إبراز حقيقة زيف الطّرح السلفي الجهادي وبطلانه وبذلك سحب البساط من تحت أقدامهم وهو ما يجعل الشّباب يراجع مواقفه ولما لا يتخلّى نهائيّا عن المشروع التكفيري الغريب عن بلادنا والرجوع للفكر التونسي القيرواني والزيتوني المعتدل.

        لقد أصبح من المسلّم به أنّ للظّاهرة الإرهابية أكثر من بعد و أكثر من عامل يساعد على انتشارها وجعلها مقبولة بل حتّى جذّابة في عيون الشباب. ويعتبر البعض أنّ تدنّي الأوضاع الاجتماعيّة الاقتصاديّة والتهميش وضيق الأفق من العوامل التي تؤدّي بالشّباب للوقوع في أحضان الإرهاب. إلاّ أنّ هشاشة التكوين الديني الثقافي والفكري عامّة والوقوع تحت القصف الإعلامي الشديد والمتواصل للخطابات التكفيريّة مقابل ضعف أثر الخطاب المعتدل، تبقى في اعتقادي، من أهمّ العوامل المساعدة على انتشار خطاب السلفيّة الجهاديّة وتبنّيها من طرف الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعية. وبالنسبة للحالة التونسيّة وباستثناء بعض القيادات الإرهابية التي سبق لها أن تلقّت تكوينا تكفيريّا مكثّفا بعض الشيء في المدارس التقليديّة، خاصّة الباكستانيّة منها، أو بمناسبة احتكاكهم ببعض رموز السلفيّة الجهاديّة حيث تأثّرت بخطاباتها واكتسبت خبرة في تخطيط و تنفيذ العمليّات الإرهابيّة صلب بعض الجماعات المتطرّفة بمنطقة أفغانستان/باكستان خلال العشرين سنة الماضيّة، فإنّ التكوين الدّيني لأغلب العناصر الإرهابية التونسيّة ضعيف وسطحي، بحيث وقعوا، في ظلّ التصحّر الديني، فريسة للخطب والفتاوى المتطرّفة، تلقّوها من خارج البلاد وتبنّوها دون القدرة على التمعّن والتمحيص بحكم ضحالة زادهم الديني المعتدل والمتسامح، زيادة في بعض الأحيان على هشاشة أوضاعهم الاجتماعيّة وضيق الآفاق للبعض منهم.

         فالمطلوب في تونس إذا، يتمثّل أساسا في الردّ المباشر على ما يقدّم للشباب من تفسيرات وفتاوى مغلوطة تتناقض مع وسطيّة الدين الإسلامي واعتداله ولا تتماشى مع مقتضيات هذا العصر. وفي اعتقادي، يشكّل غياب مثل ذلك الخطاب وضعفه إن وجد، نقطة الضعف الكبرى في هذه الفترة ببلادنا و لا بدّ للدولة و المجتمع من العمل على تلافيها، وهذا إصلاح آخر يفرض نفسه على الجميع وعلى الدولة في المقام الأوّل بمؤسّساتها التربويّة والثقافيّة وعلى المفكّرين والمثقّفين والعاملين في صلة بالشأن الديني الثقافي والعلوم الإنسانية عامّة وكذلك على وسائل الإعلام الوطنيّة وغيرها من الجهات المؤثّرة في المجتمع وفي تحوّلاته. وهنا لا بدّ من الاجتهاد والبحث عن الوسائل والطرق التي تنفذ مباشرة وبسهولة لعموم الشباب المستهدف. فعلى سبيل المثال، لماذا لا يتمّ إعادة بناء إحدى الهيآت الدينيّة لتكون مرجعا دينيّا وردّ الاعتبار لها لتلعب دورها الفكري الثقافي الديني في المجتمع؟  لماذا لا يتمّ بعث مركز وطني للدراسات الإسلاميّة يعنى بالتحديد بالردّ على الفكر التكفيري وتطوير الخطاب الدّيني؟ لماذا لا تبعث مواقع إلكترونيّة وطنيّة ذات خطاب ديني معتدل لمواجهة المواقع المسمومة بالفكر التكفيري والتي، عبرها، تستدرج الجماعات الإرهابيّة الشباب حتّى انتدابهم؟ أليس الإعلام وشبكات الاتّصال الحديثة اليوم من أقوى الأسلحة سواء لبناء أو تخريب الأمم والأوطان؟ 

         إنّ الحرب على ظاهرة الإرهاب هي، في اعتقادي، حربان متوازيتان، حرب أولى آنيّة، أمنيّة عسكريّة تستهدف مباشرة الخلايا الإرهابية والقضاء عليها، و حرب ثانيّة فكريّة ثقافيّة دينيّة متوسّطة وطويلة المدى، تستهدف عقول الشباب والمجتمع عامّة وتسعى لتفنيد الأطروحات التكفيريّة وفي نفس الوقت، تقديم بدائل معتدلة ووسطيّة تنشر قيم التعايش و التسامح رغم الاختلاف، طبقا لروح الدين الإسلامي مع مراعاة مقتضيات العصر. ولن تنتهي الحرب على الإرهاب، كظاهرة معقّدة و متعدّدة الأبعاد، دون الانتصار في الجانب الفكري منها و ذلك حتّى لو تمّ القضاء، جدلا، على كافّة العناصر والشبكات الإرهابية بالبلاد. ولا بدّ من استراتيجيّة واضحة يتمّ بلورتها في الواقع عبر المؤسسات التربويّة والثقافيّة والدينيّة بالكفاءات في مختلف العلوم ذات الصّلة، والتي تتولّى مهمّة خوض تلك الحرب الفكريّة، مع حشد كلّ الطّاقات الوطنيّة. طبعا كلّ ذلك مع مواصلة الجهد الأمني العسكري ومزيد دعمه حتّى القضاء على الخلايا الإرهابيّة داخل البلاد.

 

                                                                                                       محمّد المؤدب

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg