السّياسيّون في بورصة المقهى

بقلم سعد برغل

رؤوف، عامل المقهى الذي لا يفوّت فرصة إلا احتفل بالفريق الوطني لكرة القدم، بسيط بساطة شبابنا الباحث على الثروة عبر مراهنات رياضيّة قد تأخذ مغربا ما اجتهد في تحصيله كامل اليوم، كلما سألته عن السياسة أطلق ضحكة لا هي بالجادة ولا بالساخرة، البلاد حالها من حال النعاج، كان لقاتْ سارح سِرحتْ وكان صبّح مولاها راقد اقْتلها الشّرْ.

هكذا هي البلاد عند رؤوف ببساطة متابعته للشأن الوطني، كان يتابع باستمرار حلقات النقاش التي تعرفها المقهى، جامعيّون على موظّفين، سياسيون قدامى على سياسيّين جدد، شبان في السياسة ومراهقون في السياسة وكهول سياسة يلتقون كل مغرب بعد إقفال الإدارات يتناقشون في حال البلاد وأحوالها، وكان رؤوف في غدوه ورواحه يلتقط الملاحظات ويقهقه، كان يردّ على الندائيّ المبشّر بالرّخاء قبل سنة بذات الضحكة لذات الناقم الآن على النداء، كان يضحك  في العلن من شتائم النهضاوي الرافض قبل مدة الجلوس إلى ذاك الزّلم الذي تحوّل ندائّيا ثم شريكا في الوطن، يواصل ضحكته من ذات النهضاويّ الذي يقسم أنّه سيدفع ثمن كوب شاي لجليسه الندائي حاليا التجمّعيّ سابقا.

رؤوف لا تأخذه بالحرفاء رأفة يطلق ضحكته ونهتزّ لدويّها، كانت الضحكة تطول كلّما سمع ما لا يعجبه من حلقة من الحلقات: سمير يرفض تسديد قهوة جليسه، لو كان كلّ الأطبّاء بهذا الموقف فلنهاجر للتداوي في ليبيا، أحمد يتسلّم مبالغ الدروس الخصوصيّة ولا يخصم خمسة دنانير من ثمن تدريس ابن زميله الذي يشرب معه قهوته منذ سنوات، الهادي يخاف على بذلته الأنيقة من بقايا زيت خلّفها الميكانيكيّ على الكرسيّ، مادام ببذلة المئات من الدنانير فعليه أن يختار مقهى تليق ببذلته، وليد يدخل صارخا طالبا قهوته الاكسبريس ولا يريد الانتظار، مالذي يدفعه لهذا الصّراخ وهو ككلّ ليلة آخر المغادرين، العجمي يحتاج ربع ساعة ليقطع المسافة بين الطريق وداخل المقهى، لو هاتفنا لكنّا أوصلنا له شايه في كأس كبير إلى المنزل، شايب وعلاش التعب؟ ويجيبه العجمي: أنا مازلت شبابا نارك على روحك لا فرنك لا خروبة، لا مرا لا دار.

كنّا نعرف تقريبا  بورصة السياسيّين من تعليقات رؤوف، ولا يعنيه أن يغضب ندائيّ أو يلعنه نهضاويّ أو يهدّده جبهاويّ، فكلّهم فاشلون في السياسة وفي عائلاتهم، ولرؤوف نظريّة طريفة في تنامي الجدل السياسي بالمقهى، تقول نظريّته " إذا دخل أحدهم المقهى وطلب منه رأيه في مسألة سياسيّة فلا يعني ذلك أنّ الرّجل يهتمّ لرأي رؤوف، بل كلّ ما في  الأمر أنّ الموضوع كان حديثا  بين  الرّجل وزوجته أو أحد زملائه، لكنه لم يتمكّن من الإقناع برأيه، فيبحث عمّن سيسمعه دون أن يناقشه، ورؤوف يسمع يضحك ولا يناقش".

كنّا إذا أردنا معرفة ما يجري بعد جلسات سياسيّة توافقيّة بالجهة نطلب من رؤوف أن يسأل ويجلس للاستماع إلى تقرير ذاك السياسي المحنّك في الحفاظ على سريّة ما جرى بالجلسات، كانت رائحة الصفقات السياسيّة المشبوهة تصلنا بواسطة رؤوف، يحسن الاستماع وإطلاق الضّحكة الهازئة من السيّاسيين وينصرف، يقدّم لنا موجزا بليغا: جماعة الوطن سينضمّون للنداء، كمال مرجان ينتظر تسمية دوليّة، محسن مرزوق موعود لمنصب بالأمم المتحدة وسيسكت، الغنوشي فرض عدم التعليق على انشقاقات النّداء، الندائيون يرفضون الدخول في قائمات بلدية مشتركة مع النّهضة، النهضة ستصوّت على قانون الماليّة.

يقولها في اختزال برقيّ، يهمس بها مارّا أمام طاولتنا ويصيح بعدها "كأس تاي أخضر"، كان لا ينتظر طلب الحريف، يعرف كلّ المرتادين وإذا سمعت رؤوف يسأل أحدهم عن شربه فتأكّد أنّه جديد، يفرح كثيرا بالداخلين بعد التاسعة ليلا؛ حالتهم تساعده على الحصول على بعض المال، وفي حالات مثيرة يكون نصيبه من الشّراب مكافأة  لإسراعه بتقديم اكسبريس تليق بحال الزّبون.

كانت بورصة السياسيين تهتزّ في نظر رؤوف لخسارة الفريق الوطنيّ، كان يصمت كامل الخدمة وعلى استعداد لمناوشة من يكثر من السّؤال، بورصة الوطنيّة تبدأ بتشجيع الفريق الوطنيّ وتنتهي معها، وكل سياسيّ لا يهتز للفريق الوطنيّ لا يساوى أكثر من بذلته أو من سيّارته التي يخاف عليها أكثر من خوفه على الوطن.