النقرة التي أفاضت الكأس

 أضحت كرة القدم التونسية في سنواتها الأخيرة مجالا خصبا لظهور إشكاليات غير مسبوقة و فسحة رحبة لصناعة "البوز" الإعلامي و الرياضي و تحول التنافس على الألقاب و الأمجاد إلى صراع محتدم لتحقيق المصالح الشخصية الضيقة تحت مسمى مصلحة "الجمعية " أو دفاع عن "جهة ما ".

وبلغ مرض الكرة التونسية مرحلة متقدمة عكستها الأحداث التي رافقت مقابلة كلاسيكو النادي الصفاقسي و النجم الساحلي لحساب بطولة الرابطة المحترفة الأولى و ما لحقها من تصريحات غير مألوفة صدرت عن رئيس النادي الصفاقسي المنصف خماخم الذي تبجح خلال تصريح تلفزي لبرنامج الأحد الرياضي بإتيانه أفعالا مشينة تجاه الحكم المساعد للقاء قصد تحفيزه .

الصدمة :

خلفت تصريحات خماخم صدمة وسط الجماهير الرياضية و لدى عامة المشاهدين مستغربين من "جرأة " الرجل على إستعمال تلك العبارات و إعترافه أمام الجميع بما أقدم عليه أثناء اللقاء و رأى فيه البعض مسا من سمعة حكم اللقاء و مساعده و خلف أيضا إستياء شديدا من مقدم البرنامج لسماحه بتكرار تلك العبارات أكثر من مرة .

تظلم النجم :

بادرت إدارة النجم الساحلي عقب الأحداث التي سبقت اللقاء ,  و التي إنطلقت بعزوف اللاعبين عن الدخول إلى الميدان و المكوث في الحافلة تضامنا مع مسؤولي فريقهم الذين تم منعهم من الدخول إلى الملعب مما حتم تأخير بداية اللقاء , و بعد إعترافات رئيس النادي الصفاقسي بتقديم مطلب إثارة إلى مكتب الرابطة موضوعها وقوع ضغط  مباشر على طاقم التحكيم قصد التأثير على نتيجة اللقاء و هو مطلب قوبل بالإيجاب شكلا و رفض في الاصل .

الجامعة تجمد نشاط خماخم :

بعد مرور أكثر من 5 أسابيع ، أصدرت الجامعة التونسية لكرة القدم بلاغا تعلن فيه تجميد نشاط منصف خماخم رياضيا و إداريا مدى الحياة مستندة إلى فصل من المجلة التأديبية للفيفا تجيز معاقبة المسؤول عن تغيير نتائج من خلال التأثير على مكونات اللعبة و هو قرار قوبل بالتنديد من مسؤولي نادي عاصمة الجنوب و ببعض الترحيب من "الغيورين " على الرياضة و "الأخلاق " .

اللعب على أوتار الفوضى و الإتهامات بتأجيج الإحتقان الإجتماع  :

إحتشد مسؤولو النادي الصفاقسي و عدد كبير من الأحباء و كذلك الناشطين سياسيا و مدنيا خلف رئيس الفريق منددين بالعقوبة و بتوقيت إصدارها لتزامنها مع لقاء هام للنادي على المستوى القاري و متهمين رئيس الجامعة بممارسة السياسة و إثارة النعرات الجهوية و تأجيج الإحتقان الإجتماعي و هو ما أكدوها أثناء إستقبالهم من قبل وزيرة الشباب و الرياضة .

حرب الشوارع :

إعتدنا في السابق سماع تصريحات من نوع : " الفريق أو المسؤول يمثل جهة كاملة " " تصريح مس من جهة كاملة " أو " إحتقان كبير في الشوراع " قلت إعتدنا أن يتحدث فرد بإسم جهة أو جماهير فريق معينة لكن لم نعتد أن يصل التضامن " الجهوي " إلى حد التهديد بحرب شوارع في صورة المس برئيس الجامعة حسب التصريح الصادر عن نائب رئيس إتحاد بن قردان أيمن شندول .

المنظمة الشغيلة على الخط :

أصدر الإتحاد الجهوي للشغل بصفاقس بيان مساندة لرئيس النادي الصفاقسي محذرا من خطورة تأجيج الأوضاع في صفاقس و منبها من ممارسات رئيس الجامعة .

أيام قليلة مرت ليصدر الإتحاد الجهوي ببن قردان بدوره بلاغا أكد فيه تنديده بتصريحات مسؤولي النادي الصفاقسي و مساندة إبن الجهة وديع الجريء .

نعلم جيدا أن ما غنمه الشعب التونسي من حرية تعبير عقب الثورة سمح للعديدين بإبداء رأيهم في شتى المواضيع عن علم أو دونه و لكن يجب أن نعي جيدا خطورة مثل هذه التصريحات و التصرفات في إذكاء نار "الفتنة " و مزيد تأجيج الأوضاع الرياضية داخل الفضاءات الرياضية و خارجها بل كل الخشية أن تنظر إلى نصف الكأس المراد النظر إليها و خشية الفيفا و عقوباتها لإبقاء سلط الإشراف بعيدة عما يدور داخل الحقل الكروي من جميع المتداخلين و لتغييب العقلاء عن كل المجالس وهم الأقدر على إيجاد حل لعديد الخلافات  فربما لدى البعض مصلحة في إبقاء الأوضاع متوترة أو يروم لهم أن تهان الرياضة بمثل من نرى و نسمع أو أن نصدق أن أبناء الوطن الواحد قادرون على الإنصياع وراء دعوات لحروب الشوارع  أو لتكريس لجهوية مقيتة لن تنفع أحدا في بلد يحتاج إلى كل شبر من ترابه لإستغلاله في إشباع شعب تحاصره العوزة من كل جانب ... شعب هرب من الواقع إلى أفيون الشعوب فعوضا عن تخديرها أيقض فيه وعيا كاملا بخطورة الوضع و بأن ملف خماخم هو "النقرة " التي أفاضت الكأس ...