الاستقبال >أخبار >وطنية

وطنية2013/12/18 13:00

اليونسكو:الاحتفال بيوم العربية العالمي : هذه العربيّة لغتنا الأمّ أم هي لغتنا الأب؟

اليونسكو:الاحتفال بيوم العربية العالمي : هذه العربيّة لغتنا الأمّ أم هي لغتنا الأب؟

مقال رأي بقلم منصف الوهايبي

 

 أبو الطيب المتنبّي لا يفهم عربيّتنا، ونحن نفهم عربيّته

قضّيت يومين في صحبة المتنبّي، وأنا أتهيّا لكتابة مقال عن العاطفة الدينيّة عند شعراء العرب القدماء. وأكاد أقرّر أنّ أكثرهم لم يُعنَ بهذا الجانب إلاّ في الندرة والفرط من القصائد؛ لأسباب  ليس هنا مجال شرحها. وهذا موضوع قد أعود إليه بشيء من التفصيل في عدد قادم. إنّما يعنيني في هذه الورقة أنّ العربيّة التي نحتفل يوم 18ديسمر بها أو عربيّتنا نحن عصيّة على شاعر مثل أبي الطيّب، وشعره على ما يتهيّأ لي وربّما لغيري، قد يكون خير أنموذج لتمثّل خصائص الشعر العربي في طوريه الكبيرين: الجاهلي والمحدث. والشعر معين اللغة الذي لا ينضب، وأظنّ أنّ اللغة هي التي تحتاج إليه أكثر ممّا يحتاج إليه الناس.

 

يكون أوّل ما أُبادر به المتنبّي وأنا أرحّب به في تونس الجديدة:

 

أحبّ قبل أن أصحبك إلى المقهى وأسقيك قهوة، أن تلبس بذلة مثل التي ألبس.. ورباط عنق(علما أنّ رئيس تونس منصف المرزوقي لا يضعه تأسّيا بالسيّد راشدالغنّوشي)..وساعة يدويّة.. وحذاء وجوربين

ويحملق المتنبّي فيّ دهشا وهو يقول: اللبن أم الخمر؟ وأقول: لا هذا ولا ذاك.. أعرف أنّ القهوة من أسماء اللبن المحض عندكم معشر الأسلاف.. وأنّها من أسماء الخمر.. وقيل سُمّيت بذلك لأنّ شاربها يُقهى عن الطعام أي تقلّ شهوته له. ولكنّي رأيت من يشرب ويكاد يلتهم خروفا بأكمله.. وأعرف أيضا أنّ القهوة هي الشبعة المحكمة..

 ولا أستطيع أن أُفهم المتنبّي أنّنا نحن العرب اللاحقين أو المتأخّرين، نسمّي شراب البنّ بالقهوة..ونطلق اسم[القهوة] على الموضع الذي يكثر فيه شربها.. كما هو الشأن في تونس.. حيث يكسب أرباب المقاهي رزقهم من العاطلين بشتّى أصنافهم: حملة الشهادات العليا.. وحثالة النخبة.. ونخبة الحثالة.. وأقول له إنّ المقهى هو المكان الذي تُشرب فيه القهوة..

 وأضيف أنّ لرباط العنق أو ربطة العنق حكايةً عجيبة، فتاريخ الكارفتّة يرجع إلى بدايات القرن 17  عشر.

 وهي عبارة عن شال يلفّ فوق القميص استخدمه ،الجنود الكرواتيون أثناء الحرب. وقيل أيضا إنّ أصل الكلمة[كرافات]

 محرّف أو هو مشتقّ من الكلمة "كروات". وقد كانت حروبهم من الشدّة والعنف حتّى أنّ طريقة إعدام الكرواتيين كانت بتعليقهم بربطات العنق التي يرتدونها. ومن هنا جاء أصل الكلمة الإنجليزية نيك تاي والتي تعني بالعربية ربطة عنق. .

أمّا الجورب فجمع جوارب وهو لفافة الرّجل.. وبعضنا يسمّيها[الكلاست] وفي الشرق [الكلسة ] و[القلشينة].. وأمّا الساعة فآلة يُعرف بها الوقت، وهي ليست السائع جساعة أي الهالك.. ولا هي بالساعة الرمليّة.. أو الساعة الشمسيّة.

 

والمتنبّي المسكين يحملق ويضرب يدا بيد، وكأنّي أكلّمه بالصينيّة أو اليابانيّة. وإذْ يرنّ المحمول، يقفز أبوالطيب فزعا؛ فأقول له مهدّئا من روعه: هذه آلة نسمّيها الهاتف..

والهاتف وأنت سيّد العارفين، هو من يُسمع صوته ولا يُرى شخصه. ونحن العرب نستعمل هذه الكلمة للتلفون، إذ لم نجد لها مقابلا إلاّ في أساطيركم عن الجنّ وهواتف الصحراء.

وإذ أحدس أنّه لم يفهم شيئا، أو ظن بي مسّا؛ أقرأ عليه قصيدة نزار قبّاني: رباط العنق. وهذا يا أباالطيب شاعر شاميّ اُشتُهِر مثلك.. وشغل الدنيا والناس:

 

ولا أستطيع أن أواصل فقد انتابته نوبة من الضحك، وهو يقول: هذه أرجوزة لم أسمع مثلها قط.. كلام عربيّ لا ريب؛ ولكنّني لا أفهمه.. فلعلّ هذا من أثر الطائي

[أبوتمّام]. وقد قلت لي إنّ صاحبكم هذا شامي..

وهل لأسلافنا أن يفهموا هذه الاستعمالات  والمفردات الحديثة من قبيل: إضراب عام.. وإطلاق رشّ أو نار.. وانتخابات ديمقراطيّة.. ومصارف.. وبورصة.. وتضخّم...

وإقلاع طائرة... وسيّارة رباعيّة الدفع.. والسيارة في عرف أسلافنا: مؤنث سيّار، وهو القافلة، وكلّ كوكب يسير حول الشمس.. وأنترنيت وفايسبوك.. وبرلمان.. ونشرة أخبار.. أو: رمت الطائرة بقنابلها من علوّ شاهق، فالقنابل ج. قنبل وقنبلة، هي في عرف أسلافنا: الطائفة من الناس أو من الخيل والإبل.. وماذا لوقلت لهم: قنبلة حارقة وقنبلة جرثوميّة وقنبلة ذرية...أو قلت لهم: سأنشر هذا المقال في جريدة القدس العربي، والجريدة عندهم: جماعة الخيل لا رجّالة فيها.. والبقيّة من المال. وربّما عنت عندهم الصحيفة يكتب عليها، ولكنها لا تعني أبدا المعنى المعاصر أو المستحدث... 

 

من نافل القول أن نذكّر بأنّ اللّغة تتطوّر وأنّ العلامة أو الكلمة لا تمضي على ثبات وديمومة واطّراد. بل أنّ تطوّر العلامة يمكن أن يفضي عبر تحوّلات وتناسخات لغويّة

 

كثيرة لا إلى تغيّرها فحسب، وإنّما إلى زوالها أيضا. ولعلّنا لا نملك، تلقاء مسألة كهذه، سوى إجابتين ممكنتين:

ـ أولاهما أنّ الكلمة تغيّر ما بها من المعنى أكثر ممّا هي تضمحلّ أو تتلاشى .ويتّخذ هذا التّغيّر ثلاث طرائق هي:

أـ توسّع المدلول الذي يتولّد منه توسيع في المعنى.

ب ـ التّقييد؛ فقد تتّسع الكلمة في حقبة لجملة من المعاني، ثمّ تقصر في أخرى على معنى واحد، وقد تمرّ الكلمة بالطّورين معا: انتشار يعقبه انحسار.

ج ـ تحوّل الكلمة كلّما تنقّل المعنى من شىء إلى آخر

 

ـ وثانيتهما أنّ الكلمة تضمحلّ باضمحلال الشّيء الذي تسمّيه. وهذا لا يحدث عادة إلاّ بعد حقب متطاولة، فلا يعود للكلمة من وجود سوى الوجود الأدبيّ، ومن وظيفة سوى الوظيفة الأدبيّة أوالشّعريّة. غير أنّ الكلمة تثوي في "مقبرة اللّسان " قبل أن تضمحلّ، أشبه ما تكون بشاهدة القبر. والحقّ أنّ كثيرا ممّا نسمعه في خطب السلفيّة وتلفزيزناتهم، ليس إلاّ مظهرا لهذه العربيّة "الميّتة" التي ولّى زمانها. وهي من هذا الجانب دليل على أنّ عربيّة هؤلاء هي عربيّة السلطة بالمعنى الواسع للكلمة أي عربيّة النقل والحفظ والذاكرة والسمع والطاعة.. أو ما نسمّيه ثقافة الأذن.. وأحبّ أن أسمّيها: اللغة الأب. والحقّ أنّ حبّنا لأسلافنا واعتزازنا بالانتماء إليهم، لا يحول دون القول إنّهم لا يمكن أن يتحكّموا في واقعنا أو أن يكون خطابهم رؤية من رؤى عالمنا الحديث المعقّد، مهما تكن القداسة التي نسبغها عليهم. فقد نسخ الزمان لغتهم وتصوّراتهم.. وآن لنا نحن العرب المعاصرين أن  نلتفت إلى واقعنا ونبحث فيه عن حلول لقضايانا ومشاكلنا.. بعربيّتنا نحن لا هذه العربيّة الميّتة التي تكاد تكون صورة من لاتينيّة العصور الوسطى.

 

 ولعلّ هذا ممّا يجعل العربيّة الفصحى المعربة لغة الأب أكثر منها لغتنا الأمّ بالمعنى الدقيق للكلمة، فنحن لا نتكلّمها إلاّ في أفضية (ج.فضاء) مغلقة، ولو فعلنا خارجها لغدونا أضحوكة الناس.. ونحن لا نعيشها ولا نحلم بها.. ولا نقضي بها حوائجنا في الحياة العامة.. وهذا جانب من مأساة العربيّة.. أعني مأساتنا نحن عرب اليوم الذين لم نتحرّر من سلطان عرب الأمس..

منصف الوهايبي

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg