بطْني وْوَطْني

بقلم سعد برغل

منّا منذ مدّة قد عشنا، كلّما احتدّت الأزمات الاجتماعيّة، على  إيقاع أصوات تفرّق بين الشمال والجنوب، وانبرت صفحات فتنة كثيرة تتسابب مع سابق الإصرار والتّرصّد، وكشّرت الجهويّات عن  أنيابها بتزكيّة سياسيّة موّلت الحملات وانتقل ممثّلوها إلى الجنوب لإشعال نار فتنة، وشكّكت في كلّ الحلول التي اقترحتها حكومة الصّيد،  فسمعنا حقوقا للإبل والرعي الحرّ في نطاق حريّة العبور الحدودي، وسمعنا حديثا عن  الأخوّة الفجر إسلاميّة والثوّار التونسيين ما بعد الترويكا، سمعنا حقوقييّن يتدافعون مستميتين قي تبييض الإرهاب حتى يشكّ الواحد في صحّة ما يُشاع عن  المبالغ الماليّة المهولة التي يقبضونها، فترة تظاهرت مدينة جرجيس مطالبة بمحاكمة من أرسل أولادهم وقودا للحرب في سوريّة بشهادات موثّقة ولكن بقدرة قادر رجع يمارس طبّه ويرسل الشباب إلى الموت.

كانت الصحافة قد نبّهت إلى "إمارة سجنان" فكذّبوا الخبر تكذيبا، تسلّقوا المنقالة، ورفعوا خِرقهم  السوداء، وأغلقوا القيروان واحتلّوها بمباركة حزب ونشطاء اسلاميين وحقوقيين، مارسوا الرياضة حتى تعبوا وساروا يحرسهم الأمن باتجاه السفارة الأمريكيّة التي سيدفع الشعب التونسيّ  ثمن الاعتداء عليها، قتّلوا وهرّبوهم، حرّضوا وهرّبوهم، استهدفوا أمننا ومكّنوهم من العفو ومن المال، وهاهم  يقتلوننا بأموالنا.

هل نحزن اليوم لأنّ البلد دخل دوّامة العنف اسم المقدّس، وانتقل الاستهداف من الجبال إلى المدن ومن الأمن والجيش إلى المواطن الأعزل، هل نحزن لأنّ من رعى الإرهاب ويسّر له  المال والعبور والتفريخ والاستقطاب والنّضج يريد أن يكون اليوم جزءا من الحلّ، وهل يمكن لمن كان جزءا رئيسا من المشكل أن يكون جزءا ولو يسيرا من الحلّ؟ وعندما ترتفع الأصوات بهذا الاستنكار يسارع إخوة الشيطان بلجم الأفواه والتصايح "لا للإقصاء" و"اليسار الاستئصالي" والديمقراطيّة وحقوق الانسان وحرية التعبير وقد خبرها أبناء سليانة، وعرفها من هددّهم من يخشى الله ذات شارع حبيب بورقيبة بالسّحل، ويعرفها النّظارة التونسيّون مع آية الحراب، ويعرفها مثقّفهم الفيلسوف النحرير العالم العلاّمة الذي " يخجل ممّن يعتبر جهاد الشباب بسورية جرما".

والآن، بن قردان وما وقع، وملحمة شعب وجيش وأمن، بن قردان تلك التي ارتسمت صورتها عند التونسيين قرينة التهريب، شيطنها السياسيّون ومن يدّعي في الاستراتيجيا الشاملة معرفة، بشعارات رنانة" التهريب والإرهاب متلازمان"، بن قردان التي يجري فيها المواطن أعزل وراء ارهابي مسلّح حتى يستشهد، بن قران التي تهاتف فيها بُنيّة أباها لا تَعُد إلى الدّار  وتحمي أخاها حتى تستشهد، بن قردان التي يفدي فيها الواحد أخاه فيقتله الإرهاب، بن قردان التي مات بها ولأجلها شباب من كلّ المدن التونسيّة سفّهت أحلام الإرهاب لكنّها خاصّة سفّهت أحلام سياسيين فاشلين، يثيرون النعرات الجهويّة كلّنا أحسّوا بأنّ نجمهم في أفول وأنّ أعرافهم ومموّليهم على غضب من تراجع دعوات الانفصال،  انقسمت  السودان، وانقسمت اليمن وانقسمت سوريا وانقسمت العراق، وهاهم يواصلون الأدوار القذرة لأصحاب الإسلام السياسيّ، السّعي إلى فصل الجنوب عن تونسه، لكنّ بوابة الوطن سفّهت أحلام من جعلها ممرّا لتسفير الشباب للقتل وقبض  ثمنهم ومن سفّر البنات للبغاء الشّرعي وقبض ثمن الأعراض، بن قردان صرخت في وجه السياسيين القذرة" ابتعدوا عن سمانا، وارحلوا ولا تتاجروا في دماء أبنائنا مثلما تاجرتم بالدين والثورة والوطن".

لن أكون شوفينيّا ولا جهويّا، فقد آن الأوان لنَنْزع صورة جنوب التهريب والولاء لغير الوطن، وأن نعِي جيّدا أن ملاحم التحرير خاضها كل تونسيّ من بنزرت لبن قردان، وأنّ المدن الحدوديّة في كلّ العالم مدن ذات خصوصيّة، والتهريب  جزء من الخصوصيّة، أنظر المدن على الحدود الفرنسيّة السويسرية، والمدن الحدوديّة الفرنسية البلجيكية والمدن الحدوديّة الفرنسيّة الألمانية، أُنظر مدن الحدود المكسيكيّة الأمريكيّة، أنظر سترى أنّ تلك المدن كانت دوما في مقدّمة الذّود عن الوطن، وأولى ضحايا الأخطاء السياسيّة وخاصّة الديبلوماسيّة الخارجيّة، يبقى سؤال  مركز: من الشقّ السياسي الليبيّ المسيطر على المعابر وعلى المدن القريبة من الحدود التونسيّة؟.