Français|

الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2017/01/20 14:22

تسيّب. حريّة

تسيّب. حريّة

بقلم سعد برغل

جميلة تلك اللحظات التي أعيشها كلّما كان المنتخب الوطني بالملعب، كان التونسيّون يصرخون ويشتمون ويهتزون ويتمايلون فرحا ويتصايحون غضبا في نفس اللحظة، كانوا تونسييّن بامتياز، 

تتشابك أصوات الجامعيين مع أصوات العاطلين مع صوت البشير نادل المقهى، تتشابك الأصوات غاضبة لسوء الأداء ويتحوّل الصراخ تشكيّات من المال المهدور على لاعبين لا يفلحون في صدّ هجمة أو للمال الذي يحتاجه العاطل عوض صرفه عن لاعبيين يجنون من فرقهم أموالا طائلة، ويخبو التشكّي ليحلّ محلّه الشكر للاعب نفسه لاستماتته في الملعب وللعرق الذي بذله من أجل الفوز، حالات من التناقض في نفس الثانية من المباراة.

كنت انتبهت أثناء هذا الصياح الجماهيريّ إلى خصومة نشبت بين مواطن بسيط التّفكير وشاب في مقتبل العمر، شاب منصرف مع أصحابه في لعب الورق، أقلقه صياح المتابعين لمباراة كرة اليد، انبرى غاضبا طالبا من الجميع ملازمة الهدوء حتى لا يتشوّش تفكيره في احتساب الأوراق المتبقيّة من اللعبة، لكن الكهل على بساطة مظهره اتّهمه بانعدام الوطنيّة وبعدم حبّ علم البلاد، و"لو كانت الدنيا دنيا راك لابس العلم وتعيّط"، كان ردّا عميقا لشابّ سمعته مرّات يلعن هذا البلد الذي لم يوفّر له شغلا، ولمّا اقترح عليهم أحدهم عملا قال ساخرا" ما سأتقاضاه شهريا لا يغطّي مصروف المقهى "، حالة شدّتني لشباب عاطل يتسوّل من والديه، ويتظاهر بالغنى مع نظارات مقلدّة الماركة وحذاء رياضيّ وآخر صيحات الهاتف النّقال، يرفض كلّ فرصة عمل بدعوى"قريت باش نخدم بشهريّة مزمرة؟".

كنت أتابع المباراة ويسرح ذهني بهذه الحالات التونسيّة التي زادها أهل السياسة والنقابة رداءة على رداءة، جهات محرومة ينتبه إليها السياسيون مرّة كلّ سنة، للمزايدات السياسية والمطلبيات العاجزة التعجيزيّة، مناطق أرادها الله باردة مثلجة تحتاج لفتة مستديمة لا يرى فيها السياسيّ إلا الوجه البارد للتسوّل، فتكون مآسي الثلج والبرد مناسبة للحديث في دفء البلاتوهات عن أبناء الجهات المحرومة، ومناسبة لبسط الحشايا والأغطية التي تسابق المجتمع المدني لتوفيرها لعائلات لا تملك أربعة جدران تقيها غضب الطّبيعة، سياسيّون يعيشون مع تدفئة مركزيّة ونواب يطالبون بالإقامة في فنادق الخمس نجوم يدافعون بشراسة مضحكة عن سكان المناطق المثلّجة ويعدون أبناءهم بالتنقّل لمشاهدة جمال عين دراهم وطبرقة، سياسة حوّلت البلد فرجة مخزية، ساسيون أفلحوا في بيع الوهم الكاذب والمشاريع الزائفة لبلد نصفه معطّل والنصف الثاني معطّل لكلّ عمل من اعتصامات واضرابات ومقاطعات ومطالبات وتهريج وقطع للطرق وخطوط السكة والقطارات والميترو بدعوى تحقيق المطالب.

ثورة أنتجت أردأ ما يمكن أن تنتهي إليه الثورات: ثقافة التسّول والمطلبية المالية الصرفة وتعطيل المصالح الاقتصادية، مدينة نتوقف فيها ساعات لأنّ عشرات محتجين قطعوا سكة الميترو الخفيف وتصاعد الدخان جرّاء حرق العجلات، موظفون لم يلتحقوا بشغلهم وطلبة فاتتهم دروس، ومرضى عاجزون عن الحركة نزلوا من الميترو، وقوات الأمن تستجدي مشعلي النّار لتمرّ العربات، وقادة نقابيون يلهبون المعتصمين بخطب ناريّة حول الوطن والمواطنة والحقّ في موارد البلد من ماء نبهانة، كانوا رائعين في خطبهم، لكني كنت أتساءل إلى أيّ مصلحة إدارية ينتمون؟ وهل من المفروض أن يكونوا هنا الآن أم بمكاتبهم ومقارّ عملهم؟، وهل سجّل مديروهم غياباتهم؟ وسأفترض أن الغياب قد وقع تسجيله، هل بمقدور هذه الإدارة اليوم أن تحاسب موظّفا مهما كانت درجته؟ وأتحدّى أيّ مسؤول يقدّم لي دليلا واحدا على محاسبة عون أخطأ أو عامل أساء أو طبّق القانون على أيّ مخالف؟

كنّا منذ مدّة قريبة وأثناء الحملة الانتخابيّة الرئاسيّة نتبسّم لأنّ الشعار كان" إرجاع هيبة الدولة". وقد أفلح الباجي ذاك في اعتماد هذا الشعار لأنّ المواطن ملّ الإعتصامات والتسيّب والانحلال الإداريّ وتضخّم عدد العاطلين عن العمل داخل الوظيفة العموميّة، وملّ ذاك المواطن" الغلبان" تغوّل النقابات بلا مبرّر وضعف تطبيق القانون بلا مبرّر، ملّ الحرق والغلق والقطع والمقاطعة والعصمة والاعتصام، ولهث المواطن وراء وهْم" هيبة الدولة" هيبة دولة" هلكة الدولة" لم تتمكّن من تجسيد برنامج زيارتها لمدينة قفصة، هيبة دولة ترضخ كلّ مرةّ لمطالب لا قانونية ولا عقلانية بل لا وطنيّة، هيبة دولة غطّتها ثلوج طبرقة ومكثر، هيبة دولة احترقت مع كلّ حرق لعجلة مطّاطية، هيبة دولة اهترأت مع كلّ مستثمر غادر، هيبة دولة دفنها التونسيّون مع جثامين الجنود والمغتالين، هيبة دولة مع دولة العجز "خطان لن يلتقيا وإذا التقيا فلا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العزيز".

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg