شاي بلا سكّر

بقلم سعد برغل

بالتاريخ محطّات كبيرة كنّا نشدّ فيها الرّحال من سوسة إلى تونس، كنّا نقتطع من منحتنا الطلاّبيّة، لنشتري العروي ونزار وأبا القاسم ودرويش والطاهر وطّار ومحمد بنيس، كنّا من المؤمنين بأن السرقات بالمعرض كما السرقات بالنصوص مسألة مشروعة، كنّا شباب نبحث عن المتعة في تصفّح الكتاب، كنّا مذهولين ونحن نصافح الناشرين اللبنانيين، دار الطليعة وما قدّمت للقارئ.

بالتاريخ لقاءات لن أنساها،محاورات أجريتها لنوالالسعدواي ولأدونيس ولسعيد يقطين ولحنا مينه، كانوا هنا بتونس في زمن كان القارئ يقرأ وكان المنظّم يحترم القارئ وعقل التونسيّ كان يفرض الصرامة في البرمجة، زمنا كانت فيه الجولة قادرة على تقييم جهات صرف الميزانيّة،وقادرة على تقييم المردود، زمنا كنّا نتحدّث عن الحريّة المنعدمة، ونتحدّث عن تغييب المبدع، وكنّا نصبو لمعرض كتاب تونسيّ يقدّم الكاتب التونسيّ والمثقّف التونسيّ، معرض قادر على القول" إنّمن يقف وراء البرمجة أشخاص عارفون بالثقافة التونسيّة".
ماذا وجدت عند تصفّح الأنشطة الثقافية؟ الأكيد أن تخمة أصابت كلّ متصفّح للمعلومات التي توزّعها إدارة المعرض على الزائرين،أعلام كثيرون ومبدعون كثيرون ومحاضرون كثيرون وشعراء كثيرون، أسماء على أسماء تتكدّس من تونس ومن خارجها، أسماء تتفاوت قيمة ومنشطّون لا نعرف لهم تنشيطا وشعراء لا نعرف لهم دواوين ومحاضرين ما استمعنا إليهم قبل هذه الدّورة . كيف وقعت هذه البرمجة؟من وراءها؟ ما الغايات منها؟ماذا يمكن أن تقدّم هذه البرمجة لبلد أنهكته المطالب العماليّة؟ يكفي لأن أتتبّع معكم بعضا ممّا لاحظته وما واكبته، هل يمكن أن نتسامح مع استضافات عرب حضرت مداخلاتهم الشفوية، وكان عددهم أكثر من عدد من حضر، ومن حضر من المستمعين هم في الأصل من مواطني المحاضر، لو صرفنا المبالغ لشراء كتب من المعرض لفائدة مكتبة متنقلّة بريف القصرين لكانت أنفع وأبقى وأكثر نشرا للثقافة التونسيّة.
هذه عيّنة من العبث الذي لاحظته بهذه الدورة، وهو عبث في ندوة من ندوات كثيرة شهدها المبدعون التونسيّون وتندرج في إطار تأثيث المعرض، فعدد كبير من المبدعين التونسيين أوكل له المبرمج عددا كبيرا من التّدخلات وعلى كلّ نشاط قيمة ماليّة، واعتمد في محطات أخرى مقولة " شيلنيووأشيّلك" فبعضهم كالملح في المعرض، يحاضر ويقدّم وينشّط ويُسيّر، وغيّب العارف بالثقافة التونسية من لم يمرّ بخاطره، غاب الميداني بن صالح وغاب محجوب العيّاري وغاب من الأحياء من لم يتساقّ معه كأسا لتطرح اللوبيات الانتماء الجهوي مقياسا فاحتفى رجال القيروان بأدونيس، وحياة الرايس يقدّمها محمد عيسى المؤدب،وبعد أيام محمد عيسى المؤدب تقدّمه حياة الرايس، وندوة عالميّة حول " الإعلام الثقافي" لا نجد بها إذاعة تونس الثقافية أو منشطا منها ولا إذاعة تونسيّة ولا أصحاب الكتابات الصحفيّة الثقافيّة، ونجد برمجة تخليدا للذكرى فغيّب المحتفى به، برمج يوم الخميس 02 أفريل لقاء حول مصطفى الفارسي، من المفروض أن يقدّمه الجامعيّ منصور مهني، وقد ترجم له "حركات"، وصدرت عن المركز الوطني للترجمة، وجاء المبدعون وحضرت عائلة المرحوم ولكن السيد منصور لم يحضر، كان السيد مهني في شغل آخر، فهو لا علم له بالبرمجة، لم يتّصل به أحد،ولم يراسله أحد، ولم يهاتفه أحد.
هذا المعرض وهذه البرمجة تقول فعلا بالنسبة إلينا نحن من يتواجد بالساحل أو بالجنوب أو الوسط، حالنا كما حالنا، يتصوّر الواهم أنّ برمجة مبدع من كل إقليم كافٍ لنقول بالمعرض تمثيليّة للمثقفين التونسيّين، فوزّع الحصص على الأقربين وعلى بعض صلات الأعراف( مفرد عرف)، فلا نبرمج جامعيّين ولا نقادا من صفاقس أو قابس أو مدنين، ونبرمج في حصّتين صديقة لا علاقة لها سابقا بالنقد في الندوات السيّارة بدور الثقافة، فتقفز بقدرة قادر مباشرة إلى مداخلتين بالمعرض. علما أنّي ترأست جلسة " التعدّد الثقافي" تعويضا لآخر غاب بلا إعلام.
الشاي بمقاهينا أنواع: أحمر أخضر، بالسكّر بلا سكّر، وبرمجة المعرض الثقافية مقاولات ثقافية قديمة جديدة، الفرق أنّ سكّرها ينصح به الأطبّاء مرضى السّكّروشاينا لا طعم له.