عرب النوق

بقلم سعد برغل

وطبعا سيكفّرني الإسلاميّون ومن جاورهم لأنّني شككت في "خير أمّة أُخرجت للنّاس" تذبّح بعضها بعضا وتتقاتل صباحا مساء، وتمرّ شعوب مسلمة بمتشرد ملقى بالطريق وتسدّ آذانها حتى لا تتسرّب رائحته النتنة إلى أنوفهم فقد تنقض وضوءهم، خير أمّة تدافع عن كلّ قضايا الكون وتنسى قضيتها.

دعاة عفنون يتصيّدون كل محاولة إلى تجديد الفكر الديني، قابعون في مستنقع المقدسات، تستوي في القدسية عندهم حجارة ونعل وكتاب مقدّس، وباسم المقدّس قتلوا الفكر أربعة عشر قرنا، حرّموا كل جديد باعتباره بدعة، حرّموا استعمال الحنفيّة في الوضوء، حرّموا القهوة، حرّموا ترتيل القرآن، حرّموا بثّ القرآن بصوت عبد الباسط، حرّموا الهاتف، حرّموا ما لم يفكّر الخالق في تحريمه وأحلّْوا ما حرّمت الشرائع، حرّموا العلاقات الاجتماعية النقية، وترفض زميلة بالجامعة أن تصافح زميلها ذات صباح بنزل بمناسبة ندوة دولية، لا تصافح وتتبختر بالبار الطافح بيرة وشمبانيا، لا تصافح زميلها صباحا وتستلقي على كرسي هزار الثالثة بعد الزوال على المسبح تدعو بجهنم على الروسيات العاريات وعلى التونسيات الشبه، وتتملّى أجسادا عارية لروسيين مصطافيين ببلاد الإسلام والمسلمين، قضايا تافهة قتلت العقل فيها نحن خير أمّة أخرجت للنّاس.

رئيس دولة تونسيّة اقترح مناصفة في الميراث بين المواطنين والمواطنات، وإمكانية زواج المسلمة من غير المسلم، وقفت عقارب الساعة وتصايح الرهبان إنًّها من علامات الساعة، وتسابقت العفيفات من اليمين وما ملكت أسواق النخاسة إلى تكفير الرّجل فقد تطاول على آية صريحة، نفاق دينيّ وتجارة دينية، تصايحوا في الميراث وتغافلوا عن العبيد الواردة بصريح آية، وعن المؤلفة قلوبهم وعن تعدد الزوجات وعن قطع يد السارق وعن حدّ الّزنا، صمتوا عن كلّ هذا وتصايحوا صونا للعرض أولاد قراد الخيل.

بعض المصريين تكالب على الاقتراح وسبّ كما شاء وكفّر كما اشتهى وانخرط الأفراد والإعلاميون ومؤسسة الأزهر قي هذه الحملة المسعورة، والحال أنها تشريع تونسي داخلي، مثَلها مثل تعدد الّزوجات، وقع إقراره بتونس من سنوات ورفضه البقيّة، وهانحن اليوم نبتعد من جديد عن العرب العاربة من أهل الخليج بمقترح رئاسيّ، لكن ما أثارني هو ذاك الدّعيّ الذي استقبله إخوان تونس وأوصاهم خيرا بأولادهم فكّفرنا لحكاية الإرث من بلد هرب إليها وشرّعت المناصفة منذ ما يناهز القرن، سخر كما يحلو له من نوابنا ونسائنا ومن رئيسنا، ومازال بعض التونسيين والتونسيات ممّن سبّهم يدافعون عن  " الأخ"، إخوان سيعودون بنا إلى زمن معاوية وواقعة صفين ويحنّون إلى الخيل يركبونها وإلى سبايا من برّ الأندلس وصياح ممثلي الرسالة التي فجّر التّتار مخرجها، خير أمّة ثقافتها الإسلاميّة لا تتعدى صيحات حاملي السيوف ولا يعرفون عن بلال سوى ما نطق به ممثل في فيلم الرسالة، ولا يعرفون من الهجرة الأولى والثانية سوى صورة ناقة" دعوها فإنّها مأمورة" عرب نوق ونعال يصعب أن يقبلوا الخوض في قضايا التجديد وقريبا سيدفنون الرأس برمال نجد حتى ترتاح البشرية من عقل نافق فاسد. شعب يقاتل سبب خير أمّة ولم طلع على غير بعض آيات ولا يعرف شيئا عن أيّ دين آخر أو كتاب سماويّ.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.