الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2013/12/08 15:39

على هامش قانون الأحباس : في حاجتنا إلى الفلسفة , العلم , الأدب بقلم منصف الوهايبي

على هامش قانون الأحباس : في حاجتنا إلى الفلسفة , العلم , الأدب بقلم منصف الوهايبي

إنّ مظاهر تحكّم العلم في الواقع التي تقتضي فعلا متابعة وتقويما من منطلق فلسفيّ إنّما هي تلك التي تتعلّق مباشرة بالواقع الإنساني أكثر من تعلّقها بالواقع الطّبيعيّ.. ذلك أنّه واقع كان البعض يتصوّر أنّه متعذّر على التّناول العلميّ، فإذا بالكشوفات العلميّة في شأن الإنسان؛ على مختلف مستويات وجوده

تتحوّل إلى ما يثير الدّهشة فعلا سواء تعلّقت بما هو طبيعيّ خالص فيه على ما نتبيّن ذلك ضمن التّطوّرات البيولوجيّة، أم تعلّقت بما هو تاريخي وثقافيّ لديه على ما نتبيّن ذلك في القطاعات التي تُعنى بها علوم نظير علم الاجتماع وعلم النّفس وغيرهما وهي علوم تأتّى لها بفضل الانضباط المنهجيّ المستند إلى التّرييض بشكل أو بآخر أن تحقّق نجاحات كبيرة (ولعلّه ينبغي الانتباه في هذا المقام إلى كون التفكير الرّياضي منهجا أكثر منه استعمالا للأعداد والمعادلات الكمّية على نحو ما يبيّن ذلك قرنجي في معرض ردّه على الّذين يرفضون دراسة الإنسان علميّا بتعلّة أنّه كائن نوعيّ وليس كائنا كمّيا، وهم يكتفون في ذلك باستيعاب سطحيّ لتعريف الرّياضيّات على أنّها علم الكمّ.. نجاحات جعلت بعضهم يعتقد أنّ العلم وحده قادر على أن يستجيب لكلّ حاجات الإنسان. والواقع أنّ هذه الاستنتاج الأخير هو الذي يدفع إلى التّساؤل التّالي: هل معنى ذلك أنّ الفلسفة تنحصر في كونها تأمّليّة خالصة ـ على نحو ما آل إليه الشّعر أيضا ـ مقابل العلم الذي يبدو أنّه ينتسب دون غيره أو أكثر من غيره إلى الفضاء العمليّ، فضاء الممارسة والقيم بالنّسبة إلى الإنسان؟

بالفعل تبدو الفلسفة على ضوء هذا التقدّم العلمي من جهة مناهجه ونتائجه على مسافة من الحياة اليوميّة وغير قادرة على الاستجابة لمتطلّبات الإنسان الملحّة. بيد أنّ مثل هذه المقارنة قد تنطوي على بعض المغالطات خاصّة إذا ما انتبهنا إلى أنّ مقولات العلم ومفاهيمه إنّما هي مستمدّة من حقل الفلسفة على نحو ما يوضّح ذلك دولوز عندما يعتبر أنّ الفلسفة هي التي يُناط بعهدتها أن تؤسّس المفاهيم وأن تزوّد بها غيرها من المعارف بما في ذلك العلم مثل مقولات "القوّة" و"الكتلة" و"الجاذبيّة" وغيرها من المقولات التي يجري استعمالها في مجال الفيزياء وحتّى في مجال الرّياضيّات مثل مقولات "الصّلاحيّة" و"الافتراض" وغيرهما..

على أنّ أهمّية الفلسفة بالنّسبة إلى العلم تخصيصا وبالنّسبة إلينا نحن التونسيِّينَ خاصة، في هذه المرحلة التاريخيّة العويصة.. إنّما تتجلّى في الدّور التّحرّري الذي يمكن أن تؤدّيه، كلّما بلغت الهيمنة العلميّة ـ شأنها شأن هذه "الردة السلفيّة"؛ درجة يصبح فيها وجود الإنسان مهدّدا بـ"الموضعة" و"التّسليع" (تحويل الإنسان إلى سلعة) والاغتراب عموما بتعلّة تحقيق النّجاعة ومضاعفة المردوديّة.

ففي وضع كهذا تنبري الفلسفة كما الأدب، منبّهة إلى أنّ الإنسان في جوهره قيمة، بل هو قيمة القيم التي تتمثّل أساسا في الحرّية والسّعادة فتضطلع الفلسفة عندئذ بالتّشريع للقيم الإنسانيّة في بعدها الكلّي سواء أكان بعدا أخلاقيّا أم بعدا جماليّا… ولكنّ الذين يتظنّون بعد على أيّ دور فعّال يمكن أن تضطلع به الفلسفة لغة المفاهيم أو الأدب لغة الرموز، في الرّاهن الإنسانيّ إنّما هم أولئك الذين لم يطوّروا تعريفهم للفلسفة كما للأدب وظلّوا ينظرون إليها على أنّها ما زالت بعد في حكم التّأمّل الميتافيزيقيّ المجرّد واهي الصّلة بالواقع المعيش..

وموقف مثل هذا من الفلسفة ينمّ على مكابرة وضعيّة أكثر ممّا يعكس تشخيصا موضوعيّا لواقع الشعر أو الفلسفة؛ فالدّعوات إلى عقد تحالف جديد بين الفلسفة والعلم ما انفكّت تتواتر على نحو ما نعاين ذلك في الأعمال المشتركة بين بريغوجين وستنجرس وهما ينتهيان إلى ضرورة تأسيس خطاب "بيو-إطيقيّ" يحافظ على مكاسب النّجاعة العلميّة خاصّة في مجال البحوث البيولوجيّة، أو على ما نعاين ذلك لدى هربرت ماركوز وهو يرجع بؤس الانسانيّة إلى مختلف اللّحظات التي عكست انفصالا بين بعديْ "اللّوغوس" و"الأيروس" في الوجود الانسانيّ. على أنّه ينبغي عدم التّعجّل، بالمقابل، واعتبار مثل هذا التّجديد للخطاب الفلسفيّ تسفيها للطّابع الميتافيزيقيّ بإطلاق؛ فلعلّ تأويلا كالذي يجريه هيدغر وهو يصل العلم بجذر ميتافيزيقيّ حيث يتمثّل هذا الوصل في أنّ الفيزياء النّوويّة التي تندرج ضمن مجال البحث في "حقيقة المادّة" إنّما هي استجابة للهاجس الفلسفيّ الأنطولوجيّ القديم الذي تكفّل به تقليديّا الخطاب الميتافيزيقيّ وهو يعبّر عن تعطّش الفكر البشريّ إلى معرفة ماهية الوجود، إذن لعلّ تأويلا كهذا يقتضي مراجعة المواقف السّلبيّة، التي ما انفكّت تتراكم، من مسألة الميتافيزيقا ضمن العلاقة بين الفلسفة والعلم.

وفي الجملة فإنّ مقاربة تتعلّق بمسألة الفلسفة أو الشعر والعلم وتنساق إلى مقارنة تفاضليّة بينهما إنّما هي مقاربة أحاديّة الاتّجاه لا تبرأ من التّوظيف الإيديولوجيّ ما دام هناك تكامل بين التطوّر العلميّ والمراقبة الفلسفيّة له على نحو يصعب إنكاره.

 

منصف الوهايبي

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg