الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2015/08/15 15:52

قيظ الصّيف

قيظ الصّيف

بقلم سعد برغل

سألني صاحبي متهكّما عن العلاقة بين الصّيف بحرا والخريف أحلاما ورديّة ، طبعا لم أفهم سبب السّؤال، ولم أفهم أكثر سبب التّهكّم، لكن علّمنتي الأيّام ألآ أستهين بصاحبي هذا، فهو على صغر سنّه لا ينطق مثيرا عن غير دراية، داريت السّؤال في أعماقي، وابتسمت ابتسامة توحي بأني فهمت ما يرمي إليه، طبعا كنت أترشّف قهوتي، وأنا أتساءل عن العلاقة بين الصّيف بحرا والخريف أحلاما.

ستتساءل مثلي تماما عن هذه العلاقة، أو ربّما ستقول وأنت تقرأ ما أكتب الآن، أنّي أضعت بوصلتي وما عدت قادرا على كتابة مقال رأي، وهو أمر عاديّ بالنسبة إلى القارئ الذي قتلته الفضائيات وتبارت القنوات "مباشر" في نقل أحداث ولادة نملة بجنوب افريقيا أو ولادة حمل بآسيا من نعجة مقعدة، لا أستغرب إذن أن ترميني بالهذر فما العلاقة الممكنة بين صيف البحر وخريف الأحلام الورديّة؟

على ذكر الأحلام الورديّة، لا يسعني في هذا السيّاق إلاّ الاعتراف بأنّ الأحلام الورديّة ترتبط عندي بالعشق حدّ الفناء في من أعشق، فناء يجعل منّي لحما طريّا تنهشه المجموعات البشريّة المتمعّشة من تجارة القيم الأخلاقيّة وتدّعي المحافظة على "الشّرف" و"العفّة" و"الحشمة" و"العرض" حتى قال أحد أبطال ذات رواية حنّه مينة" العرض قبل الأرض"، فناء في المعشوق يجعل من الواقع افتراضا ويعيش العاشق على إيقاع الحرف وعلى محادثات تبعث الرّوح في رماد فينبعث العاشق كما طائر الفينيق فتيّا.

المهمّ أن صاحبي هذا يجعلك تفكّر أنّ به مسّا لكثرة هلوساته وشطحاته وإيغاله في البحث عن العلاقات الخفيّة بين الظواهر المتباعدة، كأن يسألك، مثلا،  عن العلاقة بين الحمام والطريق السيّارة، أو عن العلاقة الخفيّة بين ارتفاع حرارة صيفنا وللانتخابات الرئاسيّة وقانون مكافحة الإرهاب، ومن غرابة المحادثات أنّه يتفنّن في الحجاج والمجادلة وتقليب الرأي حتى تستسلم لوجود علاقة بين صحراء الرّبع الخالي ودلافين استراليا. هي الأمور بالنسبة إليه علاقات وترابطات عليّة، ومن لا يفهم مثلي في غير العشق والصّعلكة لا يمكنه أن يجاري هذا "المعتوه" إلا ببسمة بلهاء مداريا حرجه.

طبعا لو واصلت معكم في حكاية الصيف والخريف ستأخذكم رحمة بحالي، وستقولون سينتهي به الأمر مهذارا يترصّد حركات الطّير وسكنات النّمل أُسوة بالمتزهدين النسّاك، ولا غرابة أن نصادفه يوما يذرع الشوارع يتمتم بأشعار الحلاّج وما حفظ من "الطّواسين" و مأثور الجُنيد وابن الفارض، و من شبه المُؤكّد أنّه سيرفع الصّوت عاليا منشدا أشعار جميل بثينة ومجنون بني عامر وقد يكون للوضّاح بعض حضور في جريه بأزّقة المدن التونسيّة، سيتصوّر القارئ أنّي أنا الكاتب، أسير حافي القدمين بحواري المدن المنسيّة أرفع القمامة عن شوارعها الخلفيّة، مدن صفيح ومهمّشين، ألتحف النجوم وأستر البدن الفاني ببقايا شعريات عربيّة أندلسيّة وأمويّة وبعض عبّاسيّات، وقد أستفيد من بحر العلوم ومن فطالحة الفرس وأترنّم "وذات دلّ كأنّ البدر صورتها.....باتت تغنّي عميد القلب سكران"، وأترحّم على بشار أو أتذكر في قفزة عربية سريالية من القرن الثاني  للهجرة إلى القرن الرابع عشر فأتمتم مع مظفر النواب" كان هذا الهوى.. كان أحببتها ثمّ كان طلّقتها، هي مقبرة وسكنت فيها"، هلوسات صعاليك البرّ اليماني تلتقي مع هلوسات مريد من مريدي السّربون وفلاسفة الأنوار والبنيويّة والتفكيكيّة وغرامشي وتروتسكي ومن لفّ لفّهم من منظّري العلاقات الترابطيّة بين الظّواهر وعلى رأسهم ميشال فوكو وجيل دولوز ومنظّري الجنون البرجوازيّ والمارستانات الغربيّة.

من المعلوم أنّ الآداب العالميّة تحفل بالمجانين ومجانين القرية الذين يعرفون أدقّ أسرار النّاس والشّاهدين في صمتهم على تجاوز العقلاء للمقدّسات  والأعراض وممارسة الإنسان لانسانيته في حضرة "مجنون" لا يفقه المواضعات الاجتماعيّة ولا يصرخ "صونا للعرض"، مجانين المسلسلات العربيّة وروايات الطّاهر وطّار وواسيني الأعرج وصنع الله ابراهيم، ومتصوّفة عارفون بأسرار الغياب والمراقي والشّطحات الصّوفيّة في أشعار أحمد الشّهاوي وصلاح عبد  الصّبور ومحمّد الخالدي، وصعاليك الموانئ السّوريّة مع حانات البحر الأبيض المتوسّط بين الدوعاجي وحنة مينه والشّطار والخبز الحافي  لمحمد شكري وشرنقات رشيد بوجدرة وصرامة مجنون ليلى ووضّاح اليمن.

سيدي، أرهقتنا بهلوساتك، ما العلاقة بين الصيف بحرا والخريف أحلاما ورديّة فقد ذكّرتني بقول العرب "الصّيفَ ضيّعت اللّبن، ولا فائدة في سرد تفاصيلها"؟ ضحك صاحبي ضحكا عاليّا وقال" أجبت على العلاقة البنيويّة والعميقة بين الصيف بحرا والخريف أحلاما ورديّة:  صرخنا خريفا ممجّدين التّصويت الإيجابيّ فجاء صيفنا بحرا من تلاطم الأمواج: فنادق مغلقة وسياحة تحتضر ومعانقات سياسيّة، كنّا، خريفا، نمُنّي النفس بحزب واضح الصرامة يحكم البلاد بعيدا عن إرث الترويكا، لكنّها، خريفا، خرجت من الباب، وصيفا، دخلت من الّشّبّاك". صمت صاحبي في هيبة المجانين ثمّ أضاف" خريفا، كنّا بين شيخين؛ أحدهما عاشق لبورقيبة وثانيهما كافر ببورقيبة، وملنا إلى العاشق، وهانحن، صيفا، نشهد احتفالا بيوم المرأة لا نستطيع معه التّمييز بين العاشق والكافر".

قلت في سرّي، وأنا أستمتع إلى هلوساته، لعلّنا لم نفهم السياسيّين الذين بمجرّد انتخابهم يرفعون شعار "سيّب صالح"، ولهذا السبب لم نشهد منذ سنوات"غسّالة النّوادر" كما لم تعرف البلاد"مطر مارس ذهب خالص". 

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg