بكلمات متقطعّة و أنفاس كادت تتوقف من هول الصدمة، حاولت الطفلة "ليليا" ابنة الـ 12 عشر ربيعا أن تتمالك جسدها الصغير و تحبس دموعها، لتنقل للصحفيين بسيدي بوزيد كيفية وقوع الحادث.
جوابها كان باقتضاب "ما شُفْتُوشْ ڨاعدة لوطة"، ثلاثُ كلمات كانت كفيلة بوصف أدقّ تفاصيل هذه الكارثة، فكيف لطفلة في عمر الزُهور أن تكون على متن شاحنةٍ مُكتظة بالعَاملات فجر ذاتَ سبتٍ، لم يَكن الأوّل و ربما لن يكون الأخير على "طريق الموت"، و كيف لها أن تُغادر مقاعد الدراسة في سنّ مُبكّرة و تكون إحدى "العاملات في الفلاحة" منذ أن كانت في سنّ العاشرة حسب تأكيدها؟
"رحلة الموت الأخيرة"..
رحلة مُضنية تخوضها "ليليا" يوميا منذ سنتين رفقة شقيقها، تنطلق قبل شروق الشمس من منطقة "المغيلة" إلى منطقة "أم العظام" تقطع خلالها مسافة 50 كلم ذهابا فقط ، وربما لن تُسعفها نفسُ الطريق أو عجلة الشاحنة التي تُقلها يوميا، لتقطعها إيابا، مُقابل حفنة من الدنانير،" 10 دِيناراتْ تاخُوهم كُلْ يوم، مِنْهُم 3 دينارات تَعْطيهم لمُولاَ الكرهبة" تُضيف بحُرقة والدة إحدى الضحايَا الناجيات في حالة حرجة.
"خطة وطنية بقيمة 54 مليار"...
أسئلة تجوب بخاطر الطفلة الصغيرة "ليليا"، لن تجد جوابا، لا في تعليق والي الجهة الذي سارع بالتأكيد على "اتخاذ الإجراءات اللازمة وشددّ على الضرب بقوّة مستقبلا على يد المُخالفين"، ولا في تعليق وزير الداخلية الذي أكدّ "التوّجه نحو مَنْح تراخيص استثنائية لتنظيم نقل العاملات في الفلاحة"، ولا في تعليق وزيرة شؤون المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ، التي صَمَتت دَهْرًا و نَطقت بكُلّ ثقة في النفس "ماهيش مسؤولية الحكومة، وماهيش مسؤولية الأطراف الحكومية أنهّا قامت بواجبها و نفذت خطة وطنية بقيمة 54 مليار"، قبل أن تتدارك و تعتبر "أنّ المسؤولية مشتركة، مُحَملّة أيضا سائق الشاحنة و كُل مَنْ يتجاوز القانون في نقل العاملات في الفلاحة مسؤولية الحادث".
ليست و لن تكون الأخيرة..
قصّة "ليليا" لم تكن الوحيدة، ففي نفس الكارثة توفيت طفلة أخرى تبلغ من العمر 17 سنة كانت رفقة أمّها على متن نفس الشاحنة و على نفس الطريق فكان مصيرهما واحداً....