مشايخ دوّارنا

بقلم سعد برغل

مشايخ دوّرانا أنقذونا من سنين، أو هكذا يريد عشاق المشايخ أن يوهمونا به، عشّاق باسم المقدّس لمن احترف الدين بلاغة ومواقف وجبّة ينزعها متى اقتضت السياسة نزعها، عشّاق باسم الحداثة والانتصار لمجلة الأحوال الشخصيّة يرمونها رمي المخبول في سلّة مهملات بإحدى مكاتب اليسار الليبراليّ، 

عشّاق باسم البروليتاريا وقفّة الزوالي، ننساها وتناساها ونهملها ونقذف بها ونرميها متى اقتضت السياسة تحوّل الخطاب اليساري إلى خطاب فقه مقنّع متدثّر بنقاب كلمات حول " مقتضيات المرحلة" وعدنا إلى شعارات اليسار الممجوجة؛ "ثورتنا ثورة شغل حريّة كرامة" ولم تطرح الثورة مشكل الميراث والمساواة.

مشايخ دوّارنا، من خطابهم المتلوّن رأس الناس شابَ،  قبل استواء الدستور بقدرة قادر تصايح الندائيون، أو مشاريع الندائيين وقتها محذّرين من تسرّب الفكر الدينيّ إلى فصول الدستور، وهبّوا إلى كلّ المنابر الإعلاميّة مندّدين بالبدعة والضلالة التي أتاها النهضاويون في دعوتهم إلى " التكامل" وصاحوا" وا بورقيباه" إنّ مجلّة الأحوال الشخصيّة يُزنى بها" وتعالت أصوات الرفاق مندّدين بالتراجع عن المكتسبات وشحذوا الهمم وأفاض علماء لغتهم في بيان "التشارك" والتساوي" والفويرقات بينهما، كانت قفة الزّوالي حاضرة بامتياز وكانت أقوال بورقيبة ومثواه مزارا يتمسّح به كل دعاة الحداثة راكبين صهوة المساواة التامة بين الجنسين.

مشايخ دوّارنا التقوا كما يلتقي لمعجزة الخطّان المتوازيان، التقيا في رفض مشروع مساواة المرأة بالرجل، وطلع علينا مفتي الديار التونسيّة مجدّفا ضدّ تيار المدنيّة ومتنكّرا لحكومة مدنيّة عيّنته بمنصبه، فذكّر المؤمنين من خلّصه وشيعته بأنّ للميراث علما دقيقا يجب ألاّ يختلّ، هو قرنا الثّور في الميثولوجيات القديمة، كلّ حركة للثور يجب أن تكون مدروسة وإلاّ اهتزّت الأرض وزلزل زلزالها ورأينا بحار الجبال السائرة ومحيطات الصحاري المتحرّكة، ارتكز سماحته على منطق حجاجي أعرج، فانتهى إلى خلاصات عرجاء بمقدّمات عرجاء.

مشايخ دوّرنا، وزعيمهم مفتي الديار الذي يرى أنّ همّ مؤسسة الافتاء هو الإبقاء على الراهن، تماما ككلّ من سبقه من آكلي الجرايات الرسميّة، رآى أنّ في المطالبة بالمساواة في الإرث تجاوزا لحكم صريح في آية صريحة، وهو محقّ في ذلك، لكن لماذا لم تواتيه الجرأة فيندّد بتجاوز حكم صريح في تعدّد الآيات وفي رجم الزاني والزانية ومنظومة الاسترقاق الاسلاميّ، لماذا لا ينخرط كما انخرط الدواعش بصريح آيات في العودة إلى السبي والعبيد وبيع النسوة، فقد باعت الدواعش نسوة سنجار باعتماد آية صريحة وزوّجوا البنات مثنى وثلاثا ورباعا، وحفروا بشبهة زنى، كما طالبان، حُفرا وردموا نسوة ورشقوهم بالحجارة حدّ الموت، تنفيذا لحكم آية.

لماذا لا يمضي سماحة المفتي بتحليله الأعرج حتّى النهاية كأن تقترح مؤسسّة الإفتاء على مجلس نوّاب الشعب قانونا لتنظيم شركات " ملك اليمين" وأنا متأكّد أنّ المدونة الفقهية حافلة بشروط هذه الملكية ، وبمقامات العباد في منظومة الاسترقاق من عَبْدة وأَمَة وأمّ ولد ونصف آدميّة وسُرّيّة، وعليه أن يلعن عمر بن الخطاب لأنه في عام المجاعة عطّل العمل بحكم صريح...وقد يتفتّق الذهن ويعتبر سماحته عمرَ منخرطا في حركة الماسونية العالمية التي تسعى إلى هدم سماحة الإسلام.

مشايخ دوّرنا فيهم الفكر يحير، لا هم أصحاب حكمة فيتبصّرون، ولا هم أصحاب عقل فيُنوّرون، ولا هم أصحاب مواقف فيستقيلون، كلّهم في التخلّف دواعش، وفي المواقف انتهازيّون، ولا تليق المشيخة لمن لا عقل له ولا عُقال، مشايخ ربطونا بالأوتاد إلى سقيفة بني ساعدة، وإلى أستار الكعبة وهم يخطّطون، كما نفّذ قبلهم القرامطة، لسرقة الحجر الأسود، مشايخ وظيفتهم تعطيل العقل بخطاب عاقر.