معرض الكتاب.. 'على المثقف ألاّ يمارس السلطة وألا يكون في خدمتها'
مثّل مفهوم المثقف وأدواره المتغيرة بتغير الزمن، والفرق بين المثقف وغيره ممن يساهمون في صناعة الرأي العام على شبكات التواصل الاجتماعي محور لقاء التأم مساء أمس الأحد ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب تحت عنوان "المثقف في عهد العولمة والميديا الاجتماعية".
وتابع الحاضرون في هذا اللقاء الذي أقيم بقصر المعارض بالكرم بجناح دار "نيرفانا"، مداخلات لكل من الكاتبة عزة الفيلالي، والكاتب محمد الشريف الفرجاني، والباحث الصادق الحمامي، وقد أدارت اللقاء الجامعية رجاء بن سلامة. وفي توصيفهم للمثقف أجمع المتدخلون على ضرورة أن يتحلى بالشجاعة لقول الحققية، رغم ما يطرحه هذا التعريف من إشكالية اليوم نظرا لأننا نعيش عصر ما بعد الحقيقة.
واعتبرت رجاء بن سلامة في بداية اللقاء أن المثقف هو "حارس للغيرية المطلقة" أي لكل المواقع التي يجب ألا يحل فيها أحد أو سلطة ما. وبينت أن من أهم أدواره الدفاع عن الديمقراطية وعن الفن والخيال والفكاهة والهزل.
وفي تعريفها للمثقف عادت الكاتبة عزة الفيلالي إلى بداية ظهور مفهوم المثقف منذ 1898 مع "بيان المثقفين" وفي صدارتهم إيميل زولا. وميزت بين ثلاثة أنواع من المثقفين وهم المثقف الكوني/الشامل، والمثقف الذي يكتب في اختصاص معين ويأخذ مواقف تتعلق بعدة قضايا، إلى جانب صنف آخر من المثقفين، هو ذاك الذي كثيرا ما يظهر في وسائل الإعلام، وكفاءته مستمدة من هذا الظهور لا من منجزه العلمي أو المعرفي.
وأشارت إلى أن هذا الصنف الأخير أصبح أبطاله مؤثرون بفضل هذا الظهور، فشرعية هؤلاء المثقفين متأتية من ظهورهم لا من أعمالهم الفكرية أو الإبداعية. ولفتت إلى تضاؤل سلطة المثقفين وتأثيرهم بالمفهوم القرامشي، خاصة وأننا نعيش اليوم عصر الصورة لا عصر الكتابة. وبينت أن الناس في عصر التكنولوجيا أصبحوا يتفاعلون أكثر بالاعتماد على العاطفة أكثر من العقل، مبينة أن الوقت المخصص للتفكير تضاءل في عصر التكنولوجيا والميديا الاجتماعية، وأصبح جل الوقت مخصصا للترفيه، وهو ما تستغله القنوات التلفزية وغيرها من مستعملي الشبكات الاجتماعية لتحقيق الكسب المادي. وخلصت إلى أنه لا وجود للمثقف "الصارم" اليوم.
وانطلاقا من مقاربة معيارية اختار الباحث الصادق الحمامي مدخل الرأي العام للحديث عن المثقف، مشيرا إلى إمكانية تناول هذه المسألة من مداخل تاريخية سوسيولوجية أو تاريخية على غرار ما قام به الفيلسوف الفرنسي "روجيس دوبريه" الذي ميز بين ثلاثة عصور للمثقف عصر الإنتاج المطبوع وعصر الجامعة والعصر الميديائي وأعلن منذ نحو عشر سنوات عن وفاة/انتهاء نموذج المثقف الفرنسي.
وتطرق إلى المثقف كفاعل في المجتمع، مبينا أننا كثيرا ما نتعامل مع التكنولوجيات الرقمية باعتبارها أدوات في حين أنها نظام بيئي بأكمله. واعتبر أن المثقف الذي كان ظهوره مرتبطا بالجامعة وبالصحف وبالتلفزيون (المثقف الميديائي)، أصبح اليوم مرتبطا بالشبكات الاجتماعية. وأكد على أنه لا يمكن الحديث عن المثقف في سياق غير ديمقراطي. وتحدث عن تمثيلية المثقف لفئة ما أو قضية ما.
وأشار إلى ارتباط المثقف العربي بالطباعة (الصحف والكتب) ثم في الجامعة، مشيرا إلى أن الأنظمة السلطوية كانت تمنع تواصل المثقف مع المجال العام لقدرته على توجيه الرأي العام والتأثير فيه. وبين أن التكنولوجيات الرقمية ساهمت في ظهور أشكال متنوعة من المثثقفين على غرار الناشط السيبرني والمدون وصولا إلى "الكرونيكور" ووصف هذا الصنف بأنه "نصف عالم" فهو بين الصحفي والمثقف، ووصفه بأنه "يستحوذ على آلية صناعة الرأي العام" وذلك على حساب المثقف التقليدي الجامعي.
ولئن تقاسم الكاتب الشريف الفرجاني آراء بقية المتدخلين بخصوص أهمية دور المثقف في المجتمع، فإنه شدد على ضرورة أن تنتج كل طبقة مثقفيها، قائلا "كما أنتجت البورجوازية المثقف القرامشي، لا بد أن تنتج بقية الطبقات مثقفيها" وشدد على أن المثقف هو ذاك الذي "يفكر بنفسه، دون أي واسطة كانت سواء طبقة اجتماعية تصفق له أو حزبا أو غيرهما".
وأكد على دور المثقف في إنارة السبيل والتأثير في الآخرين، مشددا على وجوب ألا يمارس سلطة على الآخرين فلا يجب أن يكوّن الرأي العام بل يساهم في تكوينه. وأجمع الحاضرون على وجوب ألا يمارس المثقف السلطة وألا يكون أيضا في خدمة السلطة، فالمثقف هو المفكر الحر، في كل الأزمان سواء في عصر الكتابة أو الصورة أو الميديا الاجتماعية.
يُذكر أن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الثامنة والثلاثين كانت افتتحت يوم الجمعة 19 أفريل وتتواصل إلى غاية يوم 28 من الشهر ذاته.
