Français|

الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2014/01/12 09:58

من حكايات أبي: بورقيبة وبوكاسا بقلم منصف الوهايبي

من حكايات أبي:  بورقيبة وبوكاسا بقلم منصف الوهايبي

في الفترة الممتدة ما بين شهري مارس وجويلية 1950 لم يسجّل أبي في ورقاته أخبارا تذكر غير أنّي لاحظت في ما تلاها أنّه صار كثير الاستطراد في حكاياته حيث تأخذه الذكرى إلى أحداث لا أرى لها صلة بروايته.

وقد أكون مخطئا وقد أكون مصيبا فللنفس مسالكها التي لا تسلكها نفس غيرها ،وللنفس نسيجها الذي لا تنسجه نفس غيرها ؛لذلك أحببت ألا أقحم نفسي، ورأيت أن أنقل الحكاية كما قرأتها. 

يقول أبي: "مع نهاية شهر جويلية سافرت إلى القيروان أحمل لشريكي هناك منابه من صابة القمح والشعير؛ وشريكي هذا "برقادي" في الشرطة ،جمعتني به مودّة خالصة لاأتذكر حتى متى بدأت ،وهل لكلّ شيء بداية؟ فهناك أشياء لا هي تبدأ ولا هي تنتهي مثل الموت والحياة.

كنت أنتظره في بهو الكوميساريّة أتلهّى بتفحّص الإعلانات والبلاغات المعلّقة هناك ،ولا أدري كيف قفزت إلى عينيّ من  بين الصور صورة صديق من الجريد، وقد خُطّ تحتها بالخط العريض "مجرم خطير مطلوب للعدالة. جائزة بمائة ألف فرنك لمن يدلّ عليه أو يساعد في القبض عليه."

 ولا أدري هل أنا الذي كتمت أنفاسي أم هي أنفاسي انكتمت ،حتى أيقظني صوت صديقي: " أهلا يا مختار. هل تريد أن تفوز بالجائزة؟" فلما رأى حيرتي أضاف:" اقصد مائة ألف فرنك". 

يقول أبي: علمت من شريكي أنّ الجريدي محسوب على رجال بورقيبة وقد فرّ من سجن تونس منذ سنة ،وآخر أفعاله أنّه قطع يد أحد أعيان أولاد "س" دون أن يرفّ له جفن ،ولم يسلبه ماله ولا ذهبه على كثرته ؛وإنّما  اكتفى باليد المقطوعة غنيمة.

وتقول بعض الألسن إنّ لزوجة الضحيّة يدا في يده المقطوعة، فقد الّبت عليه بعض رجال الحزب الدستوري لأسباب لا تعلمها إلاّ هي وربما الله أيضا.  ولعلمك يا مختار ـ وأنا اعرف كم أنت مولع بالنساء الجميلات ـ أنّ زوجته "للاّ معيوفة" تلك امرأة ذات قوام فارع، ما حضرت جمعا أو محفلا إلاّ انتكس لحضورها سائر النساء وتسابق لخدمتها السادة قبل الخدم.

هي في الأصل من طرابلس الغرب؛ لجأ جدّها إلى تونس هربا من الطليان ثم استقرّ بسوسة. وكانت له تجارة رابحة ووطيان شاسعة لا أحد يدري كيف آلت إليه؛ فقد جاء فقيرا معدما لولا أن آواه بعض يهود الحاضرة وقد وثقوا به ،واطمأنوا إليه حتى زوّجوا ابنه الوحيد ويدعى الضاوي ابنتهم راحيل. أرأيت يا مختار كيف تساق الأرزاق؟

 لكن هل كان صاحب أبي يعلم كيف تساق الفاقة والفقر وهما في الحقيقة لا يساقان وإنما يسعيان أحيانا إلى الرجل سعيا حثيثا حتى يدهماه وهو لم يستيقظ بعد من دهشته. ـ لا تسرح يا مختار. هذه بعض حكاية "للا معيوفة" تعال نشرب شيئا ثم أقصّ عليك البقية. لماذا تستعجل العودة إلى دشرتك؟ أنت ضيفي هذه الليلة وسآخذك غدا إلى مجلس زوج "للا معيوفة" حتى ترى الرجل رؤية العين، فهو ظريف صاحب نكتة وملحة.

***

 لا أدري وإنّما خيّل إليّ أنّ أبي قد صمت يسترجع الأحداث ويرتـّبها في ذهنه مثلما بدأت أنا أسترجع أحداث روايته وأرتـّبها في ذهني. وقد أكون مخطئا في ما ذهبت إليه، لذلك أحجم هذه المرّة عن الخوض في أمر قد يقودني إلى ما لا تحمد عقباه. لكن لماذا سجّل أبي في حاشية من كرّاسه نوادر تنسب إلى"جان بيدال بوكاسا" ويقول إنّ بورقيبة كان يتندّر بها ؟ أهي حكاية اليد المقطوعة ذكّرته بحكاية المرحوم رئيس أفريقيا الوسطى، فامبراطورها بعد أن انقلب على وليّ نعمته "دافيد داكو" أم هواية بوكاسا في قصّ آذان الطلاّب وأكل اللحم البشري ،بما في ذلك لحم بعض نسائه ،وهو الذي اقتناهنّ من جميع الجنسيّات ،وكانت منهنّ تونسيّة ولبنانيّة وليبيّة...؟ وقد أغمضت فرنسا عيونها وآذانها عن تجاوزاته حفاظا على مصالحها العسكريّة والاقتصاديّة؛ ثم انقلبت عليه وما ذلك بغريب على كثير من أهل السياسة ،ويصعب، لكثرة ما ينقلبون ويتقلّبون، أن تفرّق بين إليتي أحدهم  وبطنه.

فكان أن أرسل إليه جيسكار ديستان فرقة من المظلّيين، ألقت به خارج قصره في بانغي، قبل أن تدوّي فضيحة عقد الماس الذي زعم الامبراطور أنّه أهداه إلى الرّئيس الفرنسي.

  ذكر أبي اسم بوكاسا مشفوعا بطلب الرحمة له ،ذلك أنّه أسلم في وقت ما على يد قائد عربي؛ حتى أنّه تسمّى باسم صلاح الدين ولا أدري أمات على إسلامه أم ارتد ّ؛ذلك أنّ الرواية تقول إنّ نصحاءه قالوا له" أما وقد دخلت الإسلام فلا بدّ من ختانك" فهاله الأمر وكيف لهم أن يقطعوا من الإمبراطور ولو جزءا يسيرا من رأسه الثانية، فأعلن أنّه خارج عن ملّة الإسلام، عائد إلى دين آبائه وأجداده ؛فلمّا أجابوه " ولكن حكم الردّة قطع الرأس" أسقط في يده وقال" أيّ دين هذا؟  داخله مقطوع الرأس وخارجه مقطوع الرأس".  لذلك لا ندري أمات جلالة الإمبراطور "بوكاسا الأول" على إسلامه أم مات مرتدّا.

***

 ها أنذا أشرد مع تخيّلاتي مرّة أخرى حتى لكأنّ أبي ينبّهي " يا منصف.. يا سي الحبيب.. لا تشرد. عد إلى حكايتي أو فانفض يدك منها." ولا أدري كيف لأبي أن يلومني أو يؤاخذني على شرودي أحيانا ،فهو نفسه قد خرج بحكايته عن سياقها وعرّج على أحداث قديمة سابقة ،وإلاّ كيف له أن يعود بنا إلى سنوات الحرب العالمية الثانية حين دكّت مدافع الحلفاء دشرتنا الصغيرة دكّا، وقد نجا كلّ أهلنا بأنفسهم إلى جبل "الطويلة"  ما عدا عمّ أبي "حوالة" فإنّه رفض أن يغادر كوخه البسيط ،فمات مردوما تحت أنقاضه؛ فلما بلغ نعيه جدي التفت إلى أبي وقال له: "أهانت عليك عزّة نفسك حتى تترك جثة عمّك نهبا للكلاب والغربان؟"  

ليقول أبي: " فنزلت إلى الدشرة يشدّ أزري قريب لنا، وبينما كنت أجمع أشلاء عمّي المتناثرة وأدفنها انشغل قريبي بالبحث في مخلّفات جند الحلفاء ،حتى فاز بطبل فلمعت عيناه وصاح : " يا مختار هذا طبل ولا ينقصنا ألا مزمار ليكتمل العرس" ومضى يمدح متانة جلده ورجع صداه حتى خرقت الطبل رصاصة لا ندري مأتاها . ثم اشتد الطلق  حولنا ،ففزنا بجلدينا لا نلوي على شيء."ماذا يحشر أبي هذه الحكاية في هذا الموضع بالذات؟ هل هي ورقة تاهت بين الورقات؟ الحقّ لا أدري.      

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg