قال فتحي الجرّاي رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، "إن سوء المعاملة في مراكز الإيقاف بالشرطة والحرس الوطني مازال متواصلا إلى غاية اليوم"، مؤكدا أن "التعذيب في السجون تقلّص بدرجة كبيرة، رغم أن الدولة تقوم بتكييفه على أنه حالات عنف ومعاملة قاسية وليس حالات تعذيب".
وأضاف الجرّاي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، خلال التظاهرة الثقافية والعلمية التي نظمتها الهيئة بعد ظهر اليوم الثلاثاء بمدينة الثقافة، بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، أن "حالات التعذيب ارتفعت منذ سنة 2014، بعودة وجوه من النظام القديم، خلافا لفترة ما بعد الثورة (سنوات 2011 و2012) والتي اعتبر أنها كانت "فترة حريات وديمقراطية ناشئة"، ملاحظا أن "الشرعية الثورية في بداية 2011، ساهمت في التقليص كثيرا من التجاوزات داخل مراكز الإيقاف".
وعن إمكانيات التخلّص من مظاهر التعذيب في السجون، ذكر فتحي الجرّاي أن "الحل الوحيد يكمن في اليقظة المجتمعية وفطنة المجتمع المدني في رصد الإنتهاكات والضغط على الجهاز التنفيذي، حتى لا تعود صورة الدولة الإستبدادية"، مبينا أن اللقاءات والتظاهرات تقوم بدور بارز في التحسيس بخطورة الظاهرة وانعكاساتها السلبية على المسار الديمقراطي".
وقد مثلت التظاهرة فرصة لتقديم التقرير العام للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، حول موضوع "نظرة التونسيين للتعذيب بين المعرفة والمقبولية"، من خلال مسح قامت به الهيئة وقدمته راضية الحلواني، رئيس وحدة الإتصال بالهيئة.
وتتلخص ظاهرة التعذيب بالنسبة إلى التونسيين في "الإعتداء الجسدي بنسبة 40 بالمائة والظلم بنسبة 19 بالمائة والإستبداد ب7 بالمائة و التعدّي على حقوق الإنسان بقرابة 5 بالمائة"، حسب نص التقرير.
كما جاء في الوثيقة ذاتها أن 14.4 بالمائة من المستجوبين أفادوا بأنهم تعرضوا إلى معاملات سيئة ولا إنسانية من قبل عون من أعوان الوظيفة العمومية وأن 3.3 بالمائة تعرّضوا إلى التعذيب من قبل أعوان الوظيفة العمومية.
وحسب المسح الذي قامت به الهيئة، فإن 76.4 بالمائة من التونسيين يرون أن "مصدر التعذيب هم أعوان المصالح الإستخباراتية أو ما يسمى بالبوليس السياسي، في حين يرى 20 بالمائة منهم أن أعوان السجون هم من يقفون وراء هذه الظاهرة".
ويفيد التقرير أيضا بأن 66 بالمائة من التونسيين يعتقدون أن نسبة أعمال التعذيب تراجعت منذ 2011، بينما يرى 34 بالمائة أنها تفاقمت منذ 2011.
من جانبه اعتبر الإعلامي والناشط الحقوقي، لطفي حجي، أن "ما يميّز تونس اليوم هو وجود الوعي بضرورة الإبتعاد عن التعذيب من قبل السلطات التونسية"، مشيرا إلى أن إصدار دليل منهجي من قبل الدولة، أثبت وجود رغبة جماعية في التخلص من الظاهرة".
وقال في سياق متصل: "إن التعذيب بقي محصورا لدى بعض الأعوان الأمنية الذين لم يقوموا بتحيين أفكارهم، وفق ما أتت به الثورة وكذلك مضامين الدستور الذي نص على القطع مع منظومة الإستبداد"، مذكّرا بأن تونس وقّعت على عديد المعاهدات الدولية في هذا الإطار ومن الضروري "احترامها".
وقد تخلل التظاهرة التي انطلقت بمعرض صور لعدد من الشخصيات التي كانت ضحية لسنوات التعذيب في النظام السابق، توقيع اتفاقية إطارية مع عدد من منظمات المجتمع المدني، على غرار النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والمنظمة التونسية لمقاومة التعذيب وعدد من التمثيليات الأكاديمية في الجامعة التونسية.
وقد نصت الإتفاقية الإطارية على ضرورة تبادل المعلومات وتوحيد المواقف ضد كل أشكال الإعتداء الجسدي والإهانة والتجاوزات داخل مراكز الإيقاف والسجون. يذكر أن هذه التظاهرة الثقافية والعلمية، مثّلت فرصة لعرض ومضات تحسيسية، منها بيان المفوّض السامي لحقوق الإنسان صلب الأمم المتحدة في جوان 2016 وومضة إحصائية عن واقع السجون، بالإضافة إلى وثيقة تعليمية عن مهام المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المتصلة بمنع التعذيب.