الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2017/02/19 20:31

إلى سيادة رئيس الجمهوريّة، "الساهر على احترام الدستور"

إلى سيادة رئيس الجمهوريّة،

الفصل السادس من قانون الانتخابات غير دستوريّ !
بقلم : محمد المؤدب

سيادة الرّئيس، كما هو معلوم و بعد أكثر من سبعة أشهر من تعطيلات قيل أنّها لأسباب مبدئيّة و لمصلحة البلاد، مرّر مجلس نوّاب الشعب يوم الثلاثاء 31 جانفي بأغلبيّة مريحة، قانون الانتخابات و الاستفتاء متضمّنا الفصل السادس الذي يخوّل للأمنيين و العسكرييّن الترسيم بسجلّ الناخبين و بالتالي المشاركة في الانتخابات البلديّة و الجهويّة لكن دون سواهما.

 ممّا لا جدال فيه، يبقى تمرير قانون الانتخاب من أهمّ إنجازات هذه المرحلة حيث سيسمح بإجراء الانتخابات البلديّة و الجهويّة و بذلك تركيز أسس الحكم المحلّي التشاركي الديمقراطي و هذا في حدّ ذاته إيجابي جدّا.
إلاّ أنّ الفصل السادس الذي بموجبه يخوّل للعسكرييّن و الأمنيين، الترسيم في سجلّ الناخبين للإنتخابات البلديّة و الجهويّة، جاء مخالفا للدّستور بصفة واضحة لا لبس فيها.
من خلال التحاليل والمواقف المعلنة، يمكن تلخيص الموقفين الرئيسيين حول هذا الموضوع بإيجاز كما يلي:
أ‌. الموقف الأوّل: يدعو لتعليق ممارسة حقّ الانتخاب، و لا نكران الحقّ ذاته كما يروّج له البعض، و ذلك اعتبارا لخصوصيّات تلك الأسلاك و متطلّبات نجاحها في أداء مهامها أي "لمقتضيات الأمن العام و الدّفاع الوطني" كما يسمح به الفصل 49 من الدّستور،
ب‌. الموقف الثاني: على العكس يؤكد على اعتبار أفراد تلك الأسلاك مواطنين عاديين كسائر بقيّة التونسيّين، لا خصوصيّات لهم تميّزهم عن سائر المواطنين، و عملا بالفصل 21 من الدستور لهم ما لغيرهم من حقوق و حرّيات دستوريّة و منها ممارسة حقّ الانتخاب. فجوهر المسألة إذن يتعلّق بصفة أفراد الأسلاك المسلّحة، هل هم مواطنون ذوي خصوصيّات تبرّر تعليق ممارستهم حقّ الانتخاب ما داموا يحملون السلاح، أم هم مواطنون بالمفهوم العام لا فرق مطلقا بينهم و بين غيرهم من المواطنين التونسيين؟
و من الواضح أنّ الذين صادقوا على الفصل السادس، يتبنّون الرأي الثاني، القائل بالتساوي المطلق بين حامل السلاح و المواطن العادي في الحقوق تطبيقا للفصل 21 من الدستور. فلنسلّم بهذا التمشّي الثاني و ننظر في مدى دستوريّة الفصل السادس من قانون الانتخابات و الاستفتاء المنقّح من ذلك المنظار بالذات، أي المساواة المطلقة بين المواطنين، حاملي السلاح و غيرهم، في الحقوق و الواجبات و أمام القانون. جاء بالفصل السادس من قانون الانتخاب : " يرسّم بسجّل الناخبين العسكريّون وأعوان قوات الأمن الداخلي في الانتخابات البلديّة والجهويّة دون سواهما".
و بذلك تضمّن هذا الفصل تناقضات جليّة عديدة مع ما جاء بالدستور، نورد منها الآتي:
1. إقصاء هذا الصنف من المواطنين من بقيّة الانتخابات، التشريعيّة و الرئاسيّة و كذلك من الاستفتاءات، و هذا يعدّ في حدّ ذاته تمييزا لهم عن غيرهم من المواطنين، وذلك مخالف لمبدإ المساواة في الحقوق الوارد بالفصل 21،
2. إقصاء نفس الفئة من حقّ الترشّح للمناصب النيابيّة و ذلك في كلّ المستويات، البلديّة و الجهويّة و التشريعيّة و الرئاسيّة، و في هذا إقصاء لهم من بين مجموع المواطنين، هو أيضا إجراء مخالف للفصل 21 و كذلك للفصل 34 الذي ينصّ بالإضافة على حقوق الانتخاب و الاقتراع أيضا على حقّ الترشّح " حقوق الانتخاب و الاقتراع و الترشّح مضمونة طبق ما يضبطه القانون ... ،
3. ذلك علاوة على منعهم من المشاركة في الحملات الانتخابيّة و تسليط أشدّ العقوبات كالعزل من الوظيف، على من يقوم بذلك.فعن أيّ مساواة بين المواطنين يتحدّثون؟
4. يقضي الدستور في فصليه 18 و 19 بأن تؤدّي كلّ من المؤسّستين العسكريّة و الأمنيّة «مهامها في حياد تامّ». إلاّ آنّ ممارسة عمليّة الإنتخاب تفترض من الناخب، العسكري و الأمني في هذه الحالة، أن يولي اهتماما بالشأن السياسي من أحزاب و مترشّحين و برامج و خيارات سياسيّة حتّى تتبلور لديه مواقف و قناعات شخصيّة يصوّت للجهات السياسيّة التي تتبنّاها.
و بالتصويت فهو يعبّر عن قناعات سياسيّة يمكن أن تصبح ميولات و لا شيء يمنعها من أن تتطوّر إلى ولاءات، من المستحيل ضمان عدم تأثيرها على كيفيّة أداء أصحابها لمهامهم و على التزامهم بالحياد التام المطالبين به بالدستور.
و الحياد السياسي لا يقف طبعا عند عدم الانتماء الحزبي فحسب، بل يقتضي من حاملي السلاح و مؤسّساتهم المحافظة على صبغتهم اللاسياسيّة و هو ما يعني البقاء بعيدا كلّ البعد عن الشأن السياسي.
و لا يكمن الخطر في تسيّس المؤسّستين و أفرادها فحسب، بل يشمل خاصّة مناورات الأحزاب السياسيّة ذاتها و سعيها لاستمالتهم و ضمان اصطفافهم لجانبها، وهو الأخطر على انضباط تلك المؤسّسات و انسجامها.
ألم تسع خلال السنوات الأخيرة جلّ الأحزاب لوضع يدها على الأجهزة الأمنيّة؟ و ليس من الصعب تصوّر ما يمكن آن يحصل داخل الوحدات من انقسامات و انخرام الانضباط صلبها بسبب اختلاف التوجّهات السّياسيّة لأفرادها و نتيجة لمحاولات الفاعلين السّياسيين لاستمالتهم، في حين يؤكّد الدستور على أنّ "الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوّة عسكريّة مسلّحة قائمة على الانضباط" (الفصل 18).
لتقدير خطورة الموضوع، يكفي تصوّر ما كان يحصل بتونس أثناء أحداث 2010/2011 أو بمناسبة "اعتصام الرحيل" في صائفة 2013، لو لم يكن الجيش الوطني و المؤسّسة الأمنيّة بعيدين عن كلّ ما له علاقة بالسياسة و السياسيّين. أمّا القول بأنّ دراية الأعوان بالشأن السياسي و المشاركة في الانتخابات لا تمنعهم من الالتزام بالحياد التام عند أداء مهامهم، فهذا في المرحلة الحاليّة الهشّة التي تمرّ بها البلاد حيث لا زالت السياسة تطغى على كلّ كبيرة و صغيرة، فلا يتعدّ ذلك القول مستوى النوايا الحسنة و يبقى غير واقعي و في كلّ الحالات لا شيء يضمن الالتزام به في الواقع و بذلك تأكّد التحوّط منه و اتخاذ كلّ الإجراءات لضمان الحياد المطلوب. إنّ مخاطر تسيّس الأسلاك المسلّحة، عبر ممارسة حق الانتخاب، هي أكثر من واردة و بذلك يكون الفصل السادس من قانون الانتخاب مخالفا أيضا لروح الفصلين 18 و 19 من الدستور.
5. بموجب قوانينهم الأساسيّة الخاصّة و التراتيب الداخليّة لكلّ مؤسّسة، كان العسكريّون و الأمنيّون و لا يزالون حتّى بعد تمرير هذا القانون، محرومين من العديد من الحقوق الدستوريّة و هذا أيضا غير دستوري إذ يتعارض مع جلّ فصول الباب الثاني من الدستور، باب "الحقوق و الحرّيات" و خاصّة منها:  "حرّية الرأي و الفكر و التعبير و الإعلام و النشر" (الفصل31)،  "حرّية تكوين الأحزاب و النقابات و الجمعيّات” (الفصل 35)،  "حريّة الاجتماع و التظاهر السلميين " (الفصل37)، حرّية التنقّل " لكل مواطن الحرية في اختيار مقر إقامته و في التنقل داخل الوطن و له الحقّ في مغادرته" (الفصل 24).
فبأيّ موجب و سند قانوني يحرم أفراد الأسلاك المسلّحة دون غيرهم من المواطنين من تلك الحقوق الدستوريّة و يميّزون سلبيّا عن غيرهم من المواطنين في خرق واضح للفصل 21؟
6. ثمّ ماذا عن القيود الواردة بالأنظمة الخاصّة و التراتيب الداخليّة من تراخيص للزواج و للسّفر خارج البلاد و حتّى التنقّل داخلها و الحال أنّ الدستور يضمنها؟ إنّ المدافعين على مضمون الفصل السادس من القانون الجديد للانتخابات باعتمادهم على مبدإ المساواة المطلقة في الحقوق بين المواطنين (الفصل 21 من الدستور) لتبرير موقفهم، يخرقون مضمون هذا الفصل بالذات بمخالفة جلّ فصول الباب الثاني من الدستور، باب الحقوق و الحرّيات.
قطعا تلك الخروقات المتعدّدة، تجعل قانون الانتخاب و الاستفتاء المنقّح، مخالفا للدستور أي لا دستوريّا و ذلك لما جاء به من خروقات متعدّدة و واضحة للدستور و خاصّة إقصاء هاته الفئة من المواطنين، أبناء الأسلاك المسلّحة، من حقوق و حرّيات دستوريّة لا جدال فيها و تمييزهم سلبيّا عن بقيّة المواطنين في تناقض تام مع الفصل 21.
سيادة الرئيس، الكلّ يعلم أنّ التصويت على الفصل السادس من قانون الانتخابات بأغلبيّة ساحقة في مجلس النواب جاء نتيجة لحسابات سياسيّة بحتة لا علاقة لها بمصلحة لا البلاد و لا المؤسّسات المعنيّة و لا منظوريها.
من جهة أخرى، صحيح أنّه لم يتمكن المعارضون للفصل من بلوغ النصاب المطلوب، 30 نائب، للطعن في دستوريّته، لكن لا بدّ من الإشارة كذلك إلى أنّه بسبب تعطّل اكتمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، تعطّل أيضا تشكيل المحكمة الدستوريّة و انتصابها و حتّى اشتغال الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة القوانين. و بذلك تأكّد أكثر دور سيادتكم "السهر على احترام الدستور" (الفصل 72).
سيادة الرئيس، قانونيّا لقد انتهت آجال الطعن في عدم دستوريّة الفصل السادس من قانون الانتخاب، إلاّ أنّ مسؤوليّتكم في السهر على احترام الدستور و طبعا على دستوريّة القوانين، تبقى قائمة و ليست محدّدة بزمن.
و من هذا المنطلق، يبقى الأمل في سيادتكم كبير لتتّخذوا كلّ ما في وسعكم من إجراءات، كعدم ختم القانون، للتصدّي لهذا الفصل الغير دستوري. و هذا ليس بعزيز عليكم، أنتم رجل القانون.
- حفظ الله تونس
ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال. 


Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg