المعاهد العمومية للموسيقى في تونس: ديناميكية جديدة ورؤية إصلاحية شاملة


حرصا من وزارة الشؤون الثقافية على الارتقاء بالتعليم الموسيقي وتدعيم مكانته كرافد أساسي في المشهد الثقافي الوطني، عرفت المعاهد العمومية للموسيقى والرقص في مختلف ولايات الجمهورية، خلال الفترة الأخيرة، إصلاحات جذرية وتغييرات في مناهج العمل لتشمل التكوين والإصلاح الإداري وتجديد البرامج وصيانة الآلات الموسيقية.
وفي هذا الإطار، عملت وزارة الشؤون الثقافية ضمن سياستها الاستراتيجية القائمة بالأساس على تعزيز التنسيق بين مختلف مؤسساتها المعنية بالقطاع الموسيقي، على إيجاد صيغ جديدة للعمل المشترك، حيث تم عقد جلستي عمل موسعتين، أشرفت عليهما وزيرة الشؤون الثقافية السيدة أمينة الصرارفي وحضرهما مديري المعاهد العمومية للموسيقى خصصتا لمراجعة واقع هذه المؤسسات واستشراف آفاق تطويرها.
تشخيص
وبتاريخ 18 أكتوبر 2024، عقدت الجلسة الأولى التي تم خلالها تشخيص واقع المعاهد الموسيقية والوقوف على أبرز الإشكاليات التي تحول دون حسن سير عملها لمعالجتها ضمن رؤية إصلاحية شاملة. وتلخصت هذه العوائق في جملة المشاكل الإدارية والمالية والعقارية، التي باشرت الإدارات المعنية في العمل على إصلاحها.
أما الجلسة الثانية التي انعقدت بتاريخ 7 ماي 2025 فقد خصصت لمناقشة النسخة الأولية لدليل العمل المشترك وتقديم جملة من المقترحات العملية المتعلقة بالإدارة البيداغوجية والتنظيمية والتكوين، بالإضافة الى مناقشة سبل الارتقاء بالمردود الفني في مختلف الجهات.
أما في ما يتعلق بالإصلاحات التشريعية ، فتجدر الإشارة إلى أنه قد تم استكمال إحداث بقية المعاهد العمومية للموسيقى والرقص في شكل مؤسسات عمومية في أواخر سنة 2024.
كما شرعت اللجنة القانونية، التي تم إنشاءها صلب الوزارة، في مراجعة النصوص القانونية المنظمة لهذه المؤسسات وعمل منظوريها، بما يتلاءم مع متطلبات الواقع الميداني الجديد وتحسين ظروف العمل وضمان حقوق الإطارات الفنية والبيداغوجية وتوضيح مسارات الترقية والتقييم، بما يضمن الاستقرار المهني للإطارات وتحفيزها على مزيد العطاء.
وضمن مقاربة تطويرية تقوم على تأهيل الكفاءات وتجديد المهارات، نظمت وزارة الشؤون الثقافية، خلال الشهر المنقضي، تربصا وطنيا جمع مديري المعاهد العمومية للموسيقى، تحت إشراف مجموعة من الخبراء في المجال، لاستعراض أبرز التحديات المهنية اليومية وتبادل التجارب الميدانية، بما يعزز نجاعة إدارة المعاهد ويحسن ظروف العمل، في اتجاه إرساء إدارة ثقافية أكثر فاعلية وحداثة.
وفي إطار تعزيز التكوين الفني المتقدم، احتضنت مؤسسة مسرح أوبرا تونس، خلال فصل الصيف الفارط، تربصا دوليا في آلات النفخ التي تشهد نقصا واضحا في تونس، دام حوالي 10 أيام، بإشراف الأستاذ الصربي المتخصص في هذا المجال ليوبيشا يوفانوفيتش، شارك فيه كل من تلاميذ المعاهد العمومية وطلبة المعهد العالي للموسيقى إلى جانب عدد من المحترفين، وتحولت هذه الورشات إلى منصة حقيقية لاكتساب مهارات جديدة في الأداء الفردي والجماعي والتعرف على أساليب احترافية مختلفة في الأداء الموسيقي.
كما حرصت الوزارة على تنفيذ برنامج صيانة شامل لآلات البيانو شمل مسرح أوبرا تونس وعددا من المعاهد الموسيقية في ولاية تونس الكبرى تحت إشراف خبير تركي، في إطار برنامج تعاون دولي يهدف إلى ضمان جودة الآلات وتحسين تجربة التعلم والعزف.
معايير موحدة
وكجزء من رؤية الوزارة لتطوير التعليم الموسيقي، تواصل وزارة الشؤون الثقافية جهودها لإرساء معايير موحدة للبرامج والمناهج التعليمية، من خلال إعداد دليل وطني للتعليم الموسيقي يضم المرجعيات البيداغوجية والفنية لجميع المعاهد. وسيشكل هذا الدليل مرجعا واضحا للمعلمين والطلاب على حد السواء لضمان الانسجام في طرق التكوين وأساليب التقييم، مما يسهم في رفع مستوى الأداء الفني في مختلف الجهات، ويعزز التجربة التعليمية الموسيقية على الصعيد الوطني.
وتعزيزا للحركية الفنية داخل المعاهد العمومية للموسيقى، شاركت جل المعاهد في العديد من التظاهرات الكبرى التي نظمتها وزارة الشؤون الثقافية على غرار تظاهرة "المتاحف تغني" وفعاليات الدورة 34 لشهر التراث والدورة 39 من معرض تونس الدولي للكتاب، وغيرها من الأنشطة الأخرى.
عرض موسيقي مهم
كما من المنتظر أن يقدم المعهد الجهوي للموسيقى والرقص بصفاقس، ببادرة من وزارة الشؤون الثقافية، يوم 28 أكتوبر 2025 على ركح مسرح أوبرا تونس بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي عرضا موسيقيا مهما، في تجربة فنية جديدة سيتم تعميمها على كل المعاهد الجهوية تهدف إلى تقييم آدائهم وإبراز قدراتهم الفنية والموسيقية في فضاء احترافي يكرس قيمة التميز والإبداع.
وتجدر الإشارة إلى أن شبكة المعاهد الجهوية والعمومية للموسيقى التابعة لوزارة الشؤون الثقافية تضم نحو 6820 تلميذا موزعين على 25 معهدا عموميا بكل ولايات الجمهورية التونسية يضم مستويات مختلفة من التكوين الموسيقي الأكاديمي ، وهو ما يعكس الإقبال المتزايد على التعليم الموسيقي العمومي باعتباره فضاء للتعبير والإبداع وصقل المواهب الناشئة.
ومن خلال هذه المبادرات المتنوعة والخطوات العملية، تؤكد وزارة الشؤون الثقافية مضيها قدما في تنفيذ رؤية إصلاحية متكاملة لقطاع الموسيقى، ترتكز على التكوين النوعي والدعم المتجدد والانفتاح على القطاعات الأخرى وتطوير الكفاءات، بما يعزز دور المعاهد العمومية كمحاضن للإبداع ومراكز لتأهيل الأجيال الفنية القادمة وجعلها فضاءات حية للخلق والتجريب الفني.



