Français|

الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2014/02/04 22:11

بقلم منصف الوهايبي : على هامش ترجمة القرآن إلى الأمازيغيّة ؟

بقلم منصف الوهايبي : على هامش ترجمة القرآن إلى الأمازيغيّة ؟

يثير هذا الكتاب "الجامع الميسّر لمعاني القرآن العظيم باللغة الأمازيغيّة" جملة من القضايا اللغويّة والجماليّة الشائكة، نحاول في ما يأتي أن نشير إلى بعضها. والكتاب كما ذكرت الأسبوع الماضي عمل سامية مشتوب وكهينة زموش وإشراف الأستاذ صايب محنّد أويذر مدير الشؤون الدينيّة والأوقاف لولاية تيزي وزو. وهو جزء  من مشروع أعمّ يتعلّق بترجمة القرآن إلى اللغة الأمازيغيّة. وقد اقتصرت الأستاذتان سامية وكهينة على أربع سور( القدر والعصر والقيل وقريش) متوخّيتين منهجا قوامه: موضوع السورة العام وأسباب نزولها، فتفسير مفصّل للآيات، في سياق يجمع بين العربيّة والأمازيغيّة. 

. والعمل موثّق علميّا من حيث المصادر والمراجع المخصوصة بعلوم التفسير والحديث النبوي وعلوم اللغة العربيّة. وممّا يُحمد للباحثتين استئناسهما بالشعر سواء العربي منه أو الأمازيغي، لتوضيح معنى أو فكرة. بيْد أنّه ليس بميسوري تقييم الترجمة ن لسبب لا يخفى هو جهلي باللغة الأمازيغيّة. ومع ذلك فإن هذا العمل علميّ بشهادة الدكتور يوسف بلمهدي رئيس لجنة القراءة بوزارة الشؤون الدينيّة والأوقاف بالجزائر.

 

يثير هذا الكتاب قضيّتين: إحداهما تتعلّق بلغة القرآن، والأخرى بعلاقة القرآن بالشعر.

 

 فقد عمل الشّعر منذ الجاهليّة، شأنه شأن القرآن، على امتصاص اللّهجات العربيّة “المتنافرة” في شبه الجزيرة العربيّة، وساعد على تنمية المخزون في الذّاكرة المعجميّة وعلى فهم المفردات ومعانيها وتنقّلها من قبيلة إلى أخرى، وأتاح إمكان التّصرّف بالمفردات، بإحلال مفردة وإغفال أخرى، ونشرها عبر المكان والزّمان دونما استبدال،  ذلك أنّ الاستبدال يمكن أن يخلّ بنظام القالب الذي وسم الشّعر مثلما وسم القرآن. ومن ثمّ يحمل السّياق على حفظها ويعمل على توضيحها حتّى وإن كان سياقا مضلّلا والقرآن نصّ ّكتابيّ وإن لم تكن كتابته خالصة، والشعر نصّ شفهيّ وإن لم تكن شفهيّته خالصة، أو هو نصّ قابل للكتابة والتّدوين .وفي كليهما مشادّة صريحة بين العربيّة الفصحى والعربيّة المحكية. وإذا كانت الأولى قد تقلّبت في أدوار شتّى نكاد لا نعرف عنها إلاّ القليل النّادر قبل أن تصير لغة الأدب والكتابة، فمن الصّعوبة بمكان الإقرار بأنّ “العربيّة كما نعرفها من الشّعر القديم تساوي تماما في كلّ شيء لغة البدو على الإطلاق” كما يقول الألماني يوهان فك..

فهذه العربّية التي تضمّ أشعار أهل الجاهليّة وكلام الفصحاء والحكماء من العرب وكلام الكهّان وأهل الرّجز والسّجع وغير ذلك من بلاغتهم وصنوف فصاحتهم بتعبير الباقلاني لغة فنيّة خالصة كانت قد ترفعّت عن لهجات الخطاب اليوميّة منذ زمن بعيد أي قبل ظهور الإسلام بكثير. ولكن دون أن يسوق ذلك إلى خلوّها من أيّ أثر لهذه اللّهجات والأقرب إلى الحقّ أنّ هذه اللّهجات كانت من الفصحى بمنزلة العامّية ولغة الحياة العامّة. وهذا رأي نسوقه بكثير من الاطمئنان ولا يضعّفه ما نعرفه عن أهل اللّغة والنّحو من علماء العربيّة الذين ظلّوا حتّى القرن الرّابع للهجرة يترحّلون للبادية ويلتزمون صحبة الأعراب للاستعانة بهم على كشف مكنونات اللّغة والنّفاذ إلى أسراها، أو لرفع إبهام أو إزالة لبس كلّما رابهم من أمرها ريب وعرض لهم ما يعرض من كلام ورد على غير ما ألفه العرب واستعملوه. فاللّغة التّي كانوا ينشدونها إنّما هي لغة الشّعر القديم، وليست لغة التّخاطب عند هؤلاء البدو. فلا أحد منهم حفل بهذه اللّغة أو جعلها والفصحى نسجا واحدا وكيانا بعضه من بعض. وممّا يؤكّد ذلك أنّ أكثر كتب اللّغة والنّحو كان مدارها على الشّعر القديم والاحتجاج به للتثبّت اللّفظيّ وتوثيق اللّغة وتحريرها واستنباط القاعدة ووضع الأحكام. وهي شواهد منتزعة من شعر الجاهليّين ومن بعدهم إلى نهاية عصر الاحتجاج.

 

ومهما يكن من أمر فإنّ القرآن والشّعر تلازما في شتّى دراسات اللّغة والنّحو والبيان، وهما اللّذان نشآ واستحكما في بيئة واحدة، ثمّ هاجرا إلى بيئات أخرى غريبة شاع فيها ما شاع من ظواهر اللّحن والعجمة واختلاط الفصيح بالعاميّ. وفي سياق كهذا يمكن أن نفهم مبدأ “تهذيب اللغة” عند القدماء حقّ الفهم ـ وهو أشبه ما يكون بـ“عمود اللّغة” قياسا بعمود الشّعر ـ وندرك ما يضمره من مشادّة بين أداء شفهيّ وآخر كتابيّ، كما يمكن أن نفهم هذه القداسة المثيرة التي يضفيها المسلم على عربيّة القرآن، دون أن يتفطّن إلى أنّه يجعل إلهه الذي “لم يلد ولم يولد” يتكلّم على نحو ما نتكلّم.

من البديهيّ إذن أن نعدّ لغة القرآن ثمرة أوضاع لغويّة وتاريخيّة مخصوصة وأن نقف فيها على مشادّة بين أداء شفهيّ وآخر كتابيّ، تؤكّدها الأوضاع التي بنيت عليها مصنّفات اللّغة والنّحو. فهي تخرّج قارئها تصفّحا وقراءة على نحو ما تخرّجه البادية سماعا وتلقينا، وهي التي أخذ أصحابها في تدوين اللّغة وجمعها بأنواع وطرائق من التحمّل كالسّماع والعرض والإجازة والقراءة... تدين كلّّها للأداء الشّفهيّ ويربطها به نسب لا يخفى. على أنّ هذه اللغة القرآنيّة تظلّ قرين لغة مكتوبة تتميّز عن الّلغة المنطوقة بعدد من الخصائص مثل استخدام قواعد النّحو ومفردات اللّغة استخداما محكما حتّى لا يعتريها اللّبس والغموض.

 

إنّ المحافظة على الاستعمالات القديمة- وهي سمة من سمات اللّغة المكتوبة - ترجع في ما يتعلّق بالعربيّة الفصحى إلى أسباب معقّدة، لعلّ من أهمّها السّمات المميّزة لنظام العربّية العامّ وبعضها شديد المحافظة. ومن الصّعوبة بمكان أن نلمّ بها كلّها في هذا الحيّز فهذا يمكن أن يكون موضوع دراسة قائمة بذاتها.

 

من هذه السّمات ظاهرة التصرّف الإعرابيّ والنّزوع إلى الأصوات الصّامتة والحفاظ الشّديد على الوزن. فقد احتفظت ا لعربية بالتصرّف الإعرابيّ، فيما فقدته جميع اللّغات السّامية.

 ومن الثّابت تاريخيّا أنّ الإعراب لازم الفصحى منطوقة كانت أو مكتوبة على نحو ما لازم التحرّر من الإعراب العربيّة المولّدة، ولكن دون أن يكون هذا ولا ذاك الميسم الوحيد المميّز لهذه أو لتلك.

 

***

 

أمّا قضيّة شعريّة النصّ القرآني فهي جماليّة بالأساس أي هي قضيّة فلسفيّة كلّما تعلّق الأمر ب"الأدب القرآني". وقد اختلف علماء العرب بشأنها أي بمدى حضور الجمالي ووظائفه وأشكاله وهيئاته. وكانوا على حيطة وحذر كبيرين إزاء هذه المسألة؛ حتى لا يلتبس القرآن بالشعر. وربّما غاب عنهم أنّ "الشعراء يقولونَ ما لا يفعلون" أو هم " في كلّ وادٍ يهيمون" ليسوا في المنظور القرآني كلّ الشعراء؛ وإنّما طائفة منهم كانت تعتقد في "شياطين الشعر". هذا بالرغم من أنّ الشاعر ليسم مطالبا بالمناسبة بين قوله وفعله وإنّما بفعل القول.

 

وفي القرآن من حيث هو "شعر" لا بمعنى القصيدة؛ وإنّما بمعنى "الصنعة اللطيفة في نظم الكلام" كما يقول الباقلاني، ما يحيل على أساليب الشعر في إجراء الصورة الشعريّة وتوخّي لغة الضرورة، والإيقاع. من ذلك قول النبي" زيّنوا القرآن بأصواتكم"  و" ما أذن الله لشيء ما أُذِن لنبيّ يتغنّى بالقرآن" وما يُروى عنه يوم فتح مكّة: "رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ناقة له يقرأ سورة الفتح. فرجّع فيها" والترجيع هو ترديد الصوت في الجهر بالقول مكرّرا بعد خفائه. أو قول النبي لأبي موسى الأشعري وهو يرتّل القرآن:" لقد أُوتيتَ مزمارا من مزامير آل داود". وهذا وغيره يذكّر بقول حسّان بن ثابت شاعر النبي:

 

تغنَّ بالشعر إمّا كنت قائله   إنّ الغناء لهذا الشعر مضمارُ

 بل إنّ "شعريّة" القرآن تتجلّى حتى في نوع من اللعب" مثل "المنكوس القرآني" أو استعمال اللفظة التي تٌقرأ طردا وعكسا

Le palindrome

مثل"كلّ في فلْك" أو"ربّكَ فكبّر"...

بل في شكل" التسميط" كما هو الأمر في كثير من مزامير داود. وهذا يقتضي إعادة توزيع الآيات القرآنيّة عل البياض.

 والتسميط على نحو ما جاء في تعريفه، هو أنْ يُدير الشاعرُ بَيتََه على أربعة ِأقسامٍ: ثلاثةٌ منها على سَجعٍ واحدٍ، بخلافِ قافيةِ البيتِ كقول جنوب الهُذَلّية

وحَربٌ وَرَدْتَ وثغرٌ سَدَدْتَ                 وعِلْجٌ شَدَدتْ عليه الحِبَالا

وقول الشاعر

في ثَغره لَعَسٌ في خَدّه قَبَسٌ       في قَدّه مَيَسٌ في جسمِه تَرفُ

فأتتْ بعضُ أجزاءِ هذا البيت مسجَعةً على خلاف قافيتهِ، لتكون القافيةُ بمنزلةِ السمطِ، والأجزاءُ المسجَّعةُ.

ومثال ذلك في القرآن:

اقرأْ باسم ربّك الذي خلق/ خلق الانسانَ من علقْ

اقرأْ وربّك الأكرم/ الذي علّم بالقلمْ

علّم الانسان ما لم يعلمْ

ولنا في هذا السياق أن لا نتحرّج من إدراج مفهوم اللّعب بالمعنى “الاستطيقي” للكلمة، أي طريقة وجود الأثر نفسه، ضمن ما يمكن أن نسمّيه “أنطولوجيا القرآن” ودلالته الهيرمينوطيقيّة. أقول “الاستطيقي” ولا أقول “الجدّي”؛ لأنّ اللعب جدّ هو أيضا (وهو ما لا نظفر به في معاجم العربيّة التي تضع كلمة “لعب” ضدّ جدّ، أو بمعنى مزح أو فعل فعلا لا يجدي عليه نفعا، أو بقصد اللذة والمتعة...) فالنصّ القرآني مثلُه مثَلُ أيّ أثر فنّيّ أو أدبيّ لم ينقطع تأثيره على تعاقب الأزمنة والعصور، يصلح أن يكون مَـظِـنّة( أي الموضع أو المألف أو ما يظنّ فيه وجود الشيء) للتّفسير الأنطولوجيّ أي أنّه من “البراديغمات” التي لا يزال كثير من المسلمين يستخدمونها في مقاربة العالَم أو فهمه أو تفسيره. وهو من هذا الجانب يتمثّل رؤية للكون يُفترض أن تكون قائمة على نوع من الانسجام، بما تعنيه هذه الرّؤية من تمثّل منسجم للعالم، أو معقوليّة أو نسقيّة.

لا حرج إذن من استخدام مفهوم اللّعب في الكلام على النصوص المقدّسة، ما دام الأمر يتعلّق ببنية وجود الأثر نفسه. وللتوضيح فإنّنا نحاول، على أساس من الموقع الذي نتّخذه من هذه السّورة، أن نفتح “ثغرة” في جدران هذا العالم عالم اللّعبة الفنّيّة المنغلق على نفسه أستيطيقيّا، ولا تعنينا في هذا المقترب الناحية الدينيّة أو السوسيولوجيّة أو السياسيّة أو الاقتصاديّة.. حيث عالم النصّ القرآني مشرع على أنشطة أخرى قد تتعلّق بالتّربية الاجتماعيّة أو بإذكاء الصّراع الإيديلوجيّ أو توظيف الخطاب الديني أو حتّى بتحقيق الكسب المادّيّ كما نلاحظ في قنوات تلفزيونيّة عربيّة وإسلاميّة كثيرة... ولعلّه من الواضح أنّ عملنا ـ على محدوديّته ـ ليس بالعمل التأويلي، لأنّ بنية القرآن هي مثل الشعر ـ على ما نرجّح ـ بنية هيرمينوطيقيّة، أو هي مؤوّلة سلفا، أو أنّ النصّ ينشأ مؤوّلا

و“قراءتنا” لا هي تنتسب إلى فضاء نظريّات التّلقّي ولا هي تعتبر نفسها مجرّد وعي يتصدّى للأثر، إنّما هي تحاول أن تكون امتدادا لبنيته

منطلقنا فيها الخصائص الشّكليّة التي يمكن أن تُعتمَد في التّمييز بين النّصّ البسيط والنّصّ المركّب، مثل ثبوت أدوار التّخاطب وتغيّرها فيه من حيث الخارج.

***

 

 إنّ كلّ أثر فنّيّ ـ مهما تكن قيمته أو عظمته ـ هو" معجز" إذ تتعذّر إعادته، مثلما هو "ناقص" ضرورة، ولعلّه نقص مقصود، شأنه شأن النّقص في الأشياء أملا أو رجاء فيها. وهو، من ثمّة، يقتضي جهدا تأويليّا يتعلّق به أبدا ليكون بالفعل أثرا فنّيّا. والقرآن ـ على ما نقدّر ـ ليس “نصّ الوحي” أو “المصحف” فحسب، وإنّما هو أيضا هذه النّصوص الحافة التي تدور في فلكه مثل مدوّنة التفسير أو الحديث النّبوي... بل كلّ ما هو راجع إلى ما يسمّيه الشّيخ الفاضل بن عاشور “التّناسب الوضعي التّوالدي” الذي يربط بين الفنون والعلوم المتنوّعة في وحدة الثّقافة العربيّة الإسلاميّة. وهو التّناسب " الذي بمقتضاه اتّخذ كلّ فنّ من الفنون الشّعريّة والأدبيّة والحكميّة زيادة على كيانه الذّاتي قواما تناسبيّا في ما يصل عامّة الفنون بعضها ببعض...وهو المعرفة العالميّة الكلّية, فإنّ كلّ علم من العلوم قد اكتسب من استناده إلى العلوم الأخرى من فصيلته ومن غير فصيلته ما جعله في غاياته واستعداداته مرتبطا بضع عامّ تتصرّف بمقتضاه تصرّفا تناسبيّا توالديّا". فعسى أن يكون هذا الكتاب "القرآن الأمازيغي" دافعا إلى إعادة ترتيب العلاقة بهذا النص القرآني، من منظور اللغات أو اللهجات الأخرى التي يتكلّمها مسلمون مثلنا. 

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg