تفكير وتكفير

بقلم سعد برغل

كيف يمكن أن تنتج الفكرة أو الصّورة ذاتا بشريّة من المفروض أن تعرف أنّ  القتل جريمة قانونا وشرعا تتحوّل بفعل سيناريو محاكٍ لأفلام الحركة صورة تلبّي  في المتقبّل لهذه الصّورة حاجة إلى التّماهي مع قاتل باسم الدين دون أن تهتزّ له طرفة؟ كيف يمكن أن تُسهم مقولات مرّت قرون على إطلاقها في تحوّل شباب من النقيض إلى النقيض؟ كيف عجزت الرياض والمدارس والمعاهد والجامعات والمجتمع والمقاهي والفضاءات العمومية  فلم تستطع منع تزايد المتشدّدين؟ كيف عجزت كل البرامج الإذاعيّة والتلفزيّة والندوات العلميّة عن الحدّ من ظاهرة تتنامى كلّما كثر الحديث عنها؟ هل يتابع الجمهور الذي تستهدفه هذه المجموعات باسم الدين هذه الصيحات والتحاليل؟  هل بمقدرونا اليوم الإقرار بفشل كلّ التنظيرات القديمة الجديدة الرابطة بين الإرهاب والتنميو والإرهاب والتهميش والإرهاب والحريات والإرهاب والتصحّر الديني؟

أسئلة تحرج الاتّصاليين والإعلاميين وعلماء اجتماعنا وعلماء النفس ببلادنا و يجار فيها السياسيّ، كأنّ قوة خفيّة تحرّك العاديين فيهرعون إلى الارتماء في أحضان الخلايا النائمة والنّشطة، وكلّما زادت المخاطر تعالت أصوات الحقوقيات والحقوقيين مطالبة "باحترام المعاملة القانونيّة" وخاف الأمنيون على أنفسهم من فظاعة التقتيل،ووجدت المؤسسة الأمنية نفسها  بين ناري الضمير وما يمليه والتحسّب من المترصّدين لحركاتها باسم احترام الحقوق الشخصية والتصايح" رجعنا إلى دولة البوليس".

منظومة أمنيّة كبّلها القانون والخوف من التتبّعات القضائيّة والأوامر بواسطة الهاتف التي يتنصّل منها صاحبها بمجرّد تنديد بإذاعة مغمورة على النات لا يسمعها أكثر من صاحبها، منظومة قضائيّة لا تعرف بالضبط ماذا تفعل، تستوجب، تتحفّظ ثم تطلق السّراح لشخص سيعود غدا إلى حزام ناسف و كلاشنكوف وسكّين، قضاء لا يجد فصلا واضحا للتطبيق وضوح الفصل 230  المتعلّق بالمثليّة، وحين يطبّقه القضاة ينالهم السبّ واللّعن واتّهامهم بانجرارهم إلى شرعنة القوانين، في حين أنّهم يطبقون فصلا عرف النور مع بورقيبة وتواصل مع بن عليّ، ولكنّهم يعجزون عن الاستناد إلى منظومة فصول متعلّقة بالإرهاب، فتصبح القضايا أحكاما اجتهاديّة وتأويلا، ثمّ نتصايح بالواقع أنّ فلانا حضر بالدائرة بالمحكمة وأطلق القاضي سراحه.

هل لنا اليوم أن نتحلّى بالشجاعة الكاملة ونتحمّل مسؤوليّة الإقرار بأننا أمام هذا العجز عن منع التشدد وأمام التسريح للمتهمين وعودتهم إلى ارتكاب الجرائم  مطالبون بالاقتناع أنّنا أمام عقل يرفض التحاور والاختلاف والحجج والنقاش وغير مستعدّ للتنازل قيد أنملة على تكفير كل من يتحرّك فكره، نسق عقلي منغلق على مقولات لازمانيّة وتأويل ضيّق للأحاديث والآيات الكريمة، عقل ناقل عن شيخ قاتل يرى فيه نموذجا أعلى فيحاكيه لباسا أفغانيّا وإطلاق لحية وإسلاما شكليّا ويتهافت على التواصل مع مواقع يعتمدها لتشريع قتل ابن بلده وأخته وأخيه.

مشكل النموذج اليوم هو المشكل الملحّ على علماء الاجتماع حتى نفهم هذا التحوّل في البنية الذهنيّة للشباب، كيف تحوّلنا من مطرب راق فنّيا إلى "فنّان" سوقيّ  هنداما وكلمات؟ كيف تحوّلنا من رياضيّ رافع للراية الوطنيّة إلى قاتل ملثم بريف ادلب يهدد التونسيّين؟ كيف تحوّلنا من قائدات طائرة وعالمات فيزياء تونسيّات إلى تحطيم الرقم القياسيّ ممارسة الجنس مع شيشاشنيّين على أفغان على صربيّين؟ وكيف انتقل اللاعب والفنان والطالب من التّفكر إلى التّفكير؟ كيف يمكننا أن نفهم ماذا يحدث داخل العقل الثاوي في الأعماق لنفهم الانقلاب والتحوّل والتبدّل والتغيير؟.