تقرير: 'تونس توّدع سنة 2025 بمؤشرات تعافٍ ملموسة'

شكّلت سنة 2025 مرحلة محورية في المسار الاقتصادي التونسي، حيث نجحت البلاد في تجاوز تداعيات الأزمات العالمية المتتالية وتحقيق استقرار نسبي في مؤشراتها الكلية متجاوزة حالة الركود التي ميزت السنوات القليلة الماضية ما يعكس نجاح سياسة الصمود التي انتهجتها الدولة التونسية والتي ركزت على تفعيل المحركات الذاتية للنمو مع الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى في ظل ظرفية دولية متقلبة.
وفي هذا السياق، استقرت نسبة النمو في تونس عند مستوى 4ر2 بالمائة، خلال التسعة اشهر الاولى من سنة 2025 بحساب الانزلاق السنوي، في ظل توقعات رسمية بان تبلغ 6ر2 بالمائة لكامل سنة 2025 وذلك في تناغم مع توقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بان تصل نسبة النمو ما بين 5ر2 بالمائة و6ر2 بالمائة للسنة الحالية.
كما سجل معدل البطالة في البلاد تراجعا وكذلك مؤشر الأسعار نتيجة تطور أداء مختلف القطاعات المنتجة وخاصة تحسن مردودية القطاع الفلاحي في ظل الظروف المناخية المواتية فضلا عن التعافي التدريجي لمعظم الأنشطة الصناعية وتواصل الديناميكية الإيجابية لقطاع السياحة، وفق بيانات المعهد الوطني للاحصاء.
وقد اكد مختصون في الشان الاقتصادي، ان نسبة النمو، وان بدت متواضعة في سياق التحديات الدولية، إلا انها تمثل نقطة تحول استراتيجية بعد سنوات من التذبذب مدفوعة بمرونة قطاعات انتاجية سيادية وجهود حكومية حثيثة لإعادة هيكلة المالية العمومية وتعزيز مرونة الاقتصاد الوطني وذلك في إطار المقاربة الوطنية القائمة على التعويل على الذات وتعزيز مصادر خلق الثروة وحسن توظيف الطاقات والإمكانيات الإنتاجية المتاحة.
2025 :رهان القطاعات التقليدية يقود التعافي الاقتصادي
لم يكن عبور تونس نحو منطقة النمو الايجابي وليد الصدفة بل كان ثمرة اداء استثنائي لثلاث قطاعات شكلت 'حزام امان" للاقتصاد الوطني أبرزها الفلاحة والخدمات والسياحة، إلى جانب تراجع نسبي في معدلات التضخم مع المحافظة على مستوى مقبول من احتياطي العملة الأجنبية.
وقد كان للقطاع الفلاحي دور بارز في هذا التحسن، إذ سجل ارتفاعا في القيمة المضافة بحوالي 8ر9 بالمائة على أساس سنوي، (11,5 بالمائة بحساب الانزلاق السّنوي وفق نتائج الثلاثي الثالث لمعهد الاحصاء)، وساهم الانتاج الوفير لزيت الزيتون والتمور في تعديل الميزان التجاري مستفيدا من ارتفاع الاسعار العالمية.
وشكل قطاع السياحة، أحد أبرز محرّكات النمو خلال السنة، إذ ارتفعت العائدات السياحية الى غاية 27 ديسمبر 2025 ، وفق احصاءات وزارة السياحة ومؤشرات البنك المركزي ، بنسبة 3ر6 بالمائة مقارنة بسنة 2024، لتناهز 9ر7 مليار دينار أي مايعادل 7ر2 مليار دولار. علما ان تونس استقبلت اكثر من 11 مليون سائح متجاوزة الرقم القياسي السابق، الذّي تحقق سنة 2019، وكان في حدود 9،4 ملايين سائح، قبل ان يشهد القطاع انتكاسة، تبعا لتفشي فيروس كورونا (2022/2020).
.كما نما قطاع الفنادق والمطاعم بنسبة 1ر7 بالمائة مدفوعا باستقرار الوضع الامني وتنوع العرض السياحي الذي شمل السياحة الايكولوجية والطبية اضافة الى سياحة الشواطئ.
وشهدت سنة 2025 ، ايضا، استعادة تونس لنسق انتاج الفسفاط بمعدلات لم تتحقق منذ عقد اذ سجل انتاج الفسفاط التجاري، خلال النصف الاول من سنة 2025، زيادة ب55 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، وفي هذا السياق، قالت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري في بيان الحكومة في اطار مناقشة قانون المالية لسنة 2025، ان شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي سجلا تقدما هاما هذه السنة.
كما واصلت تحويلات التونسيين بالخارج مسارها التصاعدي لتبلغ الى غاية 27 ديسمبر 2025 نحو 5ر8 مليار دينار (9ر2 مليار دولار) اي بزيادة تفوق 6 بالمائة إلى جانب ارتفاع القيمة المضافة للأنشطة الصناعية بنسبة 4ر3 بالمائة.
الدولة تنجح في كبح جماح التضخم:
وعلى صعيد الأسعار، نجحت الدولة في كبح جماح التضخم الذي سجل في سنة 2025، تراجعا طفيفا ليبلغ 9ر4 بالمائة، مدفوعا بتباطؤ نسق ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية، لا سيما المواد الغذائية. وقد أتاح هذا المسار التنازلي للتضخم، الذي انطلق منذ الأشهر الأولى من السنة، هامشا أوسع أمام السياسة النقدية، ما دفع البنك المركزي التونسي إلى خفض نسبة الفائدة الرئيسية إلى5ر7 بالمائة خلال شهر مارس، في أول خطوة من هذا النوع منذ سنوات من التشديد النقدي مما اعطى نفسا جديدا للمؤسسات الصغرى والمتوسطة لتمويل مشاريعها.
وشهدت الاستثمارات في تونس خلال سنة 2025 زيادة ملحوظة، حيث استقطبت البلاد أكثر من 885ر2 مليار دينار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى حدود نهاية سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 1ر28 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024.
وتركزت هذه الاستثمارات أساسا على قطاعات الصناعات المعملية والطاقة المتجددة والخدمات، مع نمو لافت في الاستثمارات المعلن عنها التي بلغت 97ر5 مليار دينار، وما رافقها من إحداث فرص عمل وتزايد الاهتمام بالتعاون في مجالات الطاقة المتجددة وصناعة السيارات الكهربائية.
وفي ما يتعلق بالمبادلات الخارجية، ارتفعت صادرات الفسفاط ومشتقاته بنسبة 9ر11 بالمائة، كما سجلت صادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية نموا بنسبة 7ر6 بالمائة، في المقابل تراجعت صادرات الطاقة بنحو 39 بالمائة نتيجة انخفاض شحنات المواد المكررة.
ومن جهتها سجلت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية تحسنا ملحوظا، لتغطي حوالي 108 أيام توريد الى غاية يوم 26 ديسمبر 2025، وهو ما عزز قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية وقد نجحت تونس في سداد أقساط ديونها الخارجية لسنة 2025 وفق بيانات وزارة المالية والبنك المركزي التونسي
وسجل سعر صرف الدينار التونسي مقابل سعر صرف الدولار واليورو تحسنا الى موفى سبتمبر 2025 بحوالي 8ر2 بالمائة 5ر0 بالمائة على التوالي مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024 ويشار الى ان تقارير دولية صنفت الدينار التونسي كاقوى عملة في افريقيا من حيث القيمة الاسمية مقابل الدولار
وانعكست هذه المؤشرات الإيجابية على التصنيف السيادي لتونس، حيث قامت عدة وكالات تصنيف ائتماني دولية بمراجعة تقييمها للبلاد نحو الأفضل في ظل تحسن الاحتياطي من النقد الأجنبي، والسيطرة على العجز الجاري، وتراجع الضغوط على الميزانية. كما مكنت هذه المؤشرات من الحد من المخاطر المتعلقة بخدمة الدين العمومي وعزز الثقة في الاقتصاد الوطني.
مجهودات الدولة والسياسات التصحيحية
اعتمدت الدولة التونسية، خلال سنة 2025 ، حزمة من الاجراءات الجريئة لدعم المحركات الاقتصادية لاسيما الاصلاح الجبائي والعدالة الاجتماعية (تضمن قانون المالية 2025 مراجعة شاملة لجدول الضريبة على دخل الاشخاص الطبيعيين لتخفيف العبء عن الطبقة الوسطى مع تعزيز الرقابة لدمج الاقتصاد الموازي) ، وحوكمة المؤسسات العمومية عبر الانطلاق في تنفيذ برامج اعادة الهيكلة.
كما ارتكزت الجهود على ترشيد التوريد من خلال الاستمرار في سياسة حصر توريد الكماليات، وتوجيه الدعم عبر تحويله تدريجيا من دعم الاسعار الى الدعم النقدي المباشر للفئات الهشة عبر برنامج 'أمان'.
وتكثفت الجهود في سنة 2025 لمزيد تحسين مناخ الأعمال وتكريس مبدأ حرية الاستثمار من خلال مواصلة حذف تراخيص تعاطي الأنشطة الاقتصادية علاوة على مراجعة كراسات شروط تعاطي الأنشطة الاقتصادية الجاري بها العمل.
واعتبارا لأهمية تكريس الأمن الطاقي وتسريع الانتقال الطاقي والنهوض بالطاقات المتجددة، شهدت سنة 2025 تحيين الأمر المتعلق بصندوق الانتقال الطاقي وذلك بالتوازي مع مواصلة الأعمال التحضيرية لتنفيذ المشاريع الجديدة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتكريسا للبعد البيئي، تواصل العمل خلال سنة 2025 على تحسين نوعية المياه المعالجة بهدف إعادة استعمالها عبر تأهيل وتوسيع محطّات التطهير المتقادمة وذلك بالترفيع في طاقتها وتحسين مردوديتها وإحداث محطات متخصصة في معالجة المياه المستعملة الصناعية.
آفاق سنة 2026: نحو الاقلاع الاقتصادي
وتشير معطيات عدد من التقارير المحلية والدولية، الصادرة خلال السنة الجارية، إلى أن تونس ستدخل عام 2026 في وضع اقتصادي مريح نسبيا مقارنة بمحيطها الإقليمي.
وتتجه الدولة في سنة 2026 ، التي تكتسي طابعا خاصا باعتبارها السنة الأولى في تنفيذ مخطط التنمية 2026-2030، نحو رفع سقف الطموحات لاستهداف نسبة نمو تبلغ 3ر3 بالمائة، وحسب الميزان الاقتصادي، تستند الآفاق الاقتصادية للسنة القادمة إلى تنويع مصادر النمو وتعزيز مساهمة القطاعات لا سيما الواعدة بما يساهم في تنويع القاعدة الاقتصادية وتحسين القدرة على مجابهة الصدمات.
وتعد سنة 2026 مرحلة محورية في تجسيد الخيارات الوطنية المتعلقة بمسار البناء والتشييد والتي ترمي إلى توفير مقومات العيش الكريم وتحقيق العدالة والانصاف وفتح آفاق أرحب لكل الفئات ودعم الشركات الأهلية إلى جانب إحكام توظيف الإمكانيات والطاقات المتاحة وتعزيز التنمية المجالية الشاملة، حسب الميزان الاقتصادي.
وجدير بالذكر أن مخطط التنمية 2026-2030 يستند إلى منهجية جديدة ترتكز على التخطيط التصاعدي تتبوأ فيه المجالس المنتخبة دورا محوريا في اقتراح الحلول المتجددة لدفع التنمية بمجالها الترابي.
وعلى هذا الأساس تم رسم محاور الميزان الاقتصادي لسنة 2026 في تناسق مع طبيعة المرحلة وتجسيدا للخيارات الجوهرية لرؤية رئيس الجمهورية، قيس سعيد، وكذلك استنادا إلى مقترحات المجالس المحلية والجهوية والإقليمية في إطار إعداد المخطط 2026-2030.
ولقد تم الشروع بعد في تجسيد مطالب هذه المجالس من خلال إدراج مجموعة من المشاريع المقترحة ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي ضمن الميزان الاقتصادي وميزانية الدولة لسنة 2026.
وفي السياق ذاته، ستتركز الجهود على تحسين أداء القطاعات الإنتاجية والخدماتية على حد السواء مع تكريس التكامل بين البرامج القطاعية الخصوصية والسياسات الداعمة للنمو بما يضمن تحقيق التنمية العادلة والشاملة.
و يتمثل الهدف بالنسبة لسنة 2026 في تحقيق نمو للناتج المحلي الاجمالي بنسبة 3ر3 بالمائة بالأسعار القارة. ويتضمن هذا الهدف تطور الناتج دون اعتبار الفلاحة بنسبة 3ر3 بالمائة مقابل 8ر1 بالمائة سنة 2025 وسيمكن هذا النسق من الارتقاء بالدخل الفردي بنسبة 4ر7 بالمائة ليبلغ حوالي 15691 دينار سنة 2026.
ويبقى التحدي الحقيقي في 2026 في تحويل مختلف التوجهات الى خطط وبرامج تنفيذية واحاطتها بعوامل النجاح والفاعلية، اذ ان نجاح تونس في الحفاظ على مقومات الاقتصاد وصموده اثبت ان التعويل على الذات ليس مجرد شعار بل هو مسار اقتصادي يتطلب نفسا طويلا واستقرارا تشريعيا، كما يتطلب الانتقال من التعافي الى النمو التسارعي في 2026 مواصلة اليقظة المالية واستكمال الاصلاحات الهيكلية
وتظل تونس بفضل رصيدها من الكفاءات البشرية وتنوع اقتصادها قادرة على تحويل التحديات العالمية الى فرص للنمو المستدام والاندماج في سلاسل القيمة الدولية.
مقالات أخرى
رياضة 28/12/2025
برنامج المباريات الودية اليوم
رياضة 28/12/2025
كأس أمم إفريقيا: برنامج مقابلات اليوم
وطنية28/12/2025





















