رطل ديمقراطيّة

سعد برغل

لفظة ساقها متدخّل بجلسة المقهى، كنّا نتحدّث عن الاتحاد العام التونسيّ للشغل وعن عيد العمّال وعن الزيادات بالأجور، أخذنا الحديث على التفريق بين زيادة الوظيفة العموميّة وزيادة الدّواوين، كان المتحدّثون من منتسبي الوظيفة، رأوا في التّمييز أمرا سلبيّا، كان الجميع يدلي برأيه، في حسرة للارتفاع  الصّاروخي للأسعار الذي لا تفيد معه اجتهادات العبّاسي أو إلزامات الصّيد، حسرة لأنّ الهوّة بين التونسيين اتّسعت وأصبحنا طبقتين فقط؛ فقراء وأغنياء،  وذابت الطّبقة التي كنّا سابقا نطلق عليها "الطّبقة الوسطى".

نطق الجالس بجواري طالبا تمكينه من حلّ لأزمة خانقة تمرّ به منذ سنة واشتدّت هذه الأيّام، فابنه الذي يستعدّ لاجتياز الباكالوريا يذهب يوميّا إلى المعهد ولا يدرس لأنّ " البرنامج انتهى"، لكنّه يأتيه بمواعيد لدروس التدارك، ولا يفهم" بما أنّ الدروس انتهت، وأستاذ القسم هو أستاذ التّدارك، لماذا لا يراجع معهم البرنامج  بالقسم في السّاعات النظاميّة"، علما أنّ زوجته طلبت منه بالأمس تسديد ثمن دروس الرياضة التي حصل عليها ابنه قبل "الباك سبور" قطع لفّْ. ويضيف محدّثنا أنّه بالأمس أكل فطاير سخونة لم يذق طعمها منذ سنوات، والمناسبة هي نهوضه الخامسة فجرا ليوصل ابنه إلى منزل صديق له حيث سيدرسان بمعيّة أستاذ ساعتيْ تدارك ينطلق بعدها ابنه الساعة  الثامنة لإنجاز فرض في نفس المادّة بالمعهد طبعا.

كان طعم القهوة مرّا لأسباب منها ما هو صحّي ومنها بسبب ما يتهيّأ لك أنّك ببلاد التارارنّي، ومنها ما يؤكّد أنّ معنى الطعم قد انتهى بالبلد، فما معنى أن تسمع الكلام ونقيضه في قضيّة أمن قوميّ وحياة تونسيّين أو موتهم، وما معنى أن يصرخ أباطرة الإسلام السياسي بأنّهم حركة تونسيّة ولا يرتبطون بالحركة العالميّة للإخوان ويستضيفون ندوة لمفتي قطر لتشريح ظاهرة الإرهاب، طعم حنظل، يقولها جالس أمامي، لا أعرفه حتى في الحرشوف، وهنا ينظر إليه الجميع؛ اش الحرشوف يا تيريس؟ وهي كنيته، والتيريس أصيل قبلي، يبتسم التريس ويجول ببصره متفحّصا الجميع؛ واشي ما تعرفوش الحرشوف؟ الحرشوف ها سيدي بن سيدي هو التمر الجاف الفاسد الذي سقط من أعالي النخيل وبقي مدّة بالأرض وتعرّض كثيرا لأشعّة الشمس، فاسد يعرّض من أكله إلى التسمّم.

أستعرض وجوه تونسيين جالسين حولي بالمقهى، ترتسم على ملامحهم دعة الرضى وبالقلوب ندوب، كلّ يغنّي على ليلاه، يشكو وليّ دروس التدارك، ويصرخ آخر من دخلة الباك ويصرّح ثالث بأنّه مع خرجة الطّالب، ويشتم متقاعد البصل بالبلاد التونسيّة فقد أصبح شراؤه مطلبا شعبيّا ربّما يحتاج من المواطنين حركات احتجاجيّة واعتصامات وتلفاز وحقوق انسان، وطفق أحدهم بتخيّل راضية النصراوي تتحدّث مرهقة عن حقّ المواطن في البصل، وأضاف آخر: تصّوروا المتوسّط تقوم بريبورتاج عن البصل ومنافعه ومواقفه التقدّميّة وتستضيف أحد خبراء المعهد الوطني للتغذية للحديث عن الهويّة والبصل، في حين يكتب موقع قريب من الإسلاميين" البصل وأزمة الهويّة" ويحبّر موقع آخر باللسان الفرنسيّ مقالا "أزمة البصل وراء استقالة حكومة الصيد"، وضحك الجالسون وتسارعوا لمناقشة المسألة من جهة الاقتصاد والتحكّم في المقدرة الشرائيّة للمواطن التونسيّ الذي ما يزال ينعم بمنظر البحر بلا مقابل ويمكنه أن يتنفّس الهواء بلا ثمن كما يمكنه أن يرفع رأسه إلى السماء دون أن يطلب منه الحاكم وبارونات التّهريب ثمنا للنّظر إلى زرقة السّماء.

بارونات تهريب وبارونات سياسة وبارونات مخدّرات وبارونات تعليم عامّ وخاصّ، بيع وشراء، ذمم للبيع وذمم للنّحر، سياسيّون يشترون الأصوات والجمعيّات والمقابلات ومضربون عن العمل لا يعرفون قيمته ويطالبون بالزيادة تلو الزّيادة، وسياسيّون كَذبة، وإعلام يرقص ليلة القبض على التوانسة ولا نعرف إلى أين نحن سائرون، قوم متحذلقون، لغويّون بائعو كلام: هل قتل سفيان ونذير؟ من الناحيّة المبدئيّة؛ عن أيّ مبدأ نتحدّث أيّها الأبله؟، وكيف يمكننا أن نُمنهج الكلام ونقسّمه تقسيما عقليّا واضحا: مقدمات كبرى وصغرى ونتائج لنقول من الناحيّة المبدئيّة؛ واقع وطنيّ يصفع  بعضه بعضا والسياسيّ يقول: من الناحيّة المبدئيّة.