سوريون محاصرون ينقلون للعالم تفاصيل 'مجزرة الغوطة'.. المشهد كان مرعبا!


أغمض عينيه وهو يستمع إلى الرسالة الصوتية التي أرسلها أخوه "أبو إبراهيم" البالغ 48 عاماً، يطمئنه أنه ما زال على قيد الحياة، أنفاسه تتسارع وهو يبكي، لم يسمعه باكياً قبل ليلة 21 فيفري الجاري، ولكن منظر الأكفان التي لفت أجساد 250 شخصاً خلال يوم واحد كان "مرعباً"، ونجاته هو تحديداً لا يستطيع إلا أن يعتبرها "صدفة"!
يقول "أبو إبراهيم" بصوته المرتجف : "20 طائرة تحلق في الأجواء، البراميل المتفجرة في كل مكان لا نعرف متى ستصيبنا على رؤوسنا"، لم يكن وقع تلك الكلمات الصفعة التي تلقاها أخوه أمجد البالغ 25 عاما الذي يعيش الآن في السويد، بل خوفه أن تكون تلك آخر مرة يسمع صوت أخيه.
حاول أمجد أن يتخيَّل شكل أخيه، فهو لم يره منذ 5 سنوات، أي منذ العام 2013، عندما وقعت الغوطة الشرقية تحت الحصار، وعلى الرغم أنها لا تبعد سوى بضعة أميال تجاه الشرق من العاصمة دمشق، فإن المشهد بين هاتين المنطقتين يحمل تناقضاً كبيراً، نقطة التشابه الوحيدة هي القذائف المتبادلة.
وبحلول جانفي 2018، كانت تكلفة سلة المواد الغذائية الأساسية في الغوطة الشرقية أعلى بنسبة 780%، مما هي عليه في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام على بُعد أميال قليلة. الأسعار وقلة المواد الغذائية أجبرت نسبة كبيرة من الـ400 ألف شخص المحاصرين على طبخ الأعشاب، منهم أبو إبراهيم، الذي كان يمازح أخاه بوصفته "السرية" التي لن يخبره كيف يحضرها!
كان كل من تواصلت معهم "هاف بوست عربي" من المحاصرين في تلك البقعة الممتدة على مساحة 110 كم مربع، يتحدث بصوت "مخنوق"، يجعلك تدرك حالة البكاء التي دخل بها صاحبها خلال يومه الذي أنهكه حتى ساعات الليل المتأخرة، كلهم تعبوا، إلا القذائف التي لم تتوقف للحظة!
يقدمون معلومات متفرقة عن الوضع، تلتقي في نقطة واحدة وهي "الموت" أو "الخوف منه"، منهم المصور الشاب بسام خبية البالغ 32 عاماً، الذي تصدرت صوره كبريات الصحف العالمية والعربية.
يقول لـ"هاف بوست عربي"، التي تواصلت معه عبر فيسبوك، إنني "أعيش الموت في كل صورة ألتقطها، أرى نفسي مكان كل أب يحتضن طفله الذي مات، أبكي معه بحرقة، وأقول بيني وبين نفسي طفلي حمزة محظوظ، فهو ما زال على قيد الحياة".
وعلى عكس كثيرين، كلما اشتد القصف اختار خبية الحائز عدداً من الجوائز العالمية، اختار الخروج إلى الشارع كي يصور ما يجري، "كل شخص بالنسبة له يستحق أن يوثق، وأن يكرم، وأن يبكي العالم كله موته".
يقبل طفله البالغ من العمر عامين، يودع زوجته ويتركهما في أحد الأقبية، الملاذ الأخير لهم من القصف، ويهرع حاملاً كاميراته على كتفه، يلتقط صوره وقلبه معلق بذاك الكائن الصغير "لا أريده أن يموت"!
في ملجأ آخر، ليس بعيداً جداً عن الملجأ الذي خبَّأ فيه خبية كنزه الصغير، كان أبو قصي جالساً يتصفح هاتفه المحمول، يكتب رسالته التي تداولها كثيرون عبر واتساب، يتحدث هو الآخر عن طفليه "مايا وقصي"، يخاف أن يكون ظلم أحدهما على حساب الآخر.
يدان لا تكفيان لصمِّ 4 آذان عن سماع دوي القصف ومساعدتهما على النوم، يقول "أنهكتني أسئلة مايا الطفولية، هي لم تستطع النوم خوفاً من القصف، قالت لي "لماذا يقصفوننا؟ الله يحبنا أليس كذلك ولا يحبهم؟!".
لمستقبل مجهول بالنسبة لهؤلاء المحاصرين، ففي الوقت الذي دعت فيه الأمم المتحدة، صباح الأربعاء 21 فيفري ، إلى وقف فوري للقتال في الغوطة، التي وصفها الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش بـ"جحيم على الأرض"، لا يعلق أهلها الأمل بتلك التصريحات الدولية.
وليس فقط المحاصرون مَن يئسوا من تلك التحركات الدولية، بل السوريون في الخارج أيضاً، منهم أحمد وردة، الذي يعيش في العاصمة الفرنسية باريس، الذي لم يكن أمامه سوى تحضير فيديو إرشادي للمحاصرين تحت القصف.
المصدر : 'هاف بوست عربي'




مقالات أخرى






