شُفتِينيي وأنا ميّت؟

هذا ما تبادر إلى ذهني تعليقا على ما رأيت من مظاهر مسيئة للوطن ولمدنيّة الدولة مع حزب التحرير وملتقاه الذّي مكّنته منه دولة كفّرتها أدبيّات الحزب، وأمّنتها سيّارات تنتمي إلى دولة الخلافة، والغريب أنّها من أحدث الموديلات في عالم السيّارات وأغلاها، فلا نعرف هل نشطح مع السلف الصالح على البعير إذ تدعو أدبيّات الحزب إلى الرّ قص معه على أنغام دفوفه؛ أم على إيقاع الرفاهة الألمانيّة مع أغلى السيارات المنتمية لوحتها المنجميّة إلى "الخلافة".

كان المجتمع المدني قد نبّه منذ سنوات من خطورة التطبيع البصريّ مع الإرهاب وأعلامه ورموزه وقاموسه وثقافته ومصطلحاته وخطاباته ومشاهده الشاملة والجزئيّة، صاح المجتمع المدني لا تمكّنوهم من تجمّع باسم الشريعة في القيروان، ولا أحد منعهم في الأوّل، وكانت تلك المشاهد المزرية من لحى وعصابات قتل باسم الدين واستعراض عضلات ستكون بعد ذلك بندقيات وكلاشينكوف وأحزمة ناسفة للطاغوت الذي سهر علي سلامتهم بالقيروان، وكانت السلفيّة، يومها، تدّعي اّنها على غير علاقة بالسلفيّة الجهاديّة، فكذب علينا من كذب، واستغل الآخرون جهلنا بهذا السّرطان، وطوّروا اللقاء القيرواني إلى خيم دعويّة بقرب المعاهد وبالفضاءات الاجتماعيّة، وتصارخ المجتمع المدنيّ، هذه الهجمة البصريّة مقدّمة لمسلسلات قتل قادم. عانق أبو عياض من عانق، وزير الشؤون الدينية بدولة النهضة وحضر النائب الحقوقي العيّادي خيمتهم، وخطب فيهم النائب النهضاويّ شورو، وتبسّم كبيرهم، قبل تغيير طاقم أسنانه، وبشّرنا بغير شرّهم، وأعطاهم وزير داخليّة النهضة الضوء للأخضر لممارسة الرياضة، فللّواط مراسم ممارسة أخرى، وأصبحنا على نفس الأسماء القاتلة المغتالة للجنود وللسياسيّين، الهاربة إلى جبالنا والخاطفة لأبنائنا والمحتجزة لمُواطنينا، مواطنون وقع احتجازهم بليبيا لتقع مبادلتهم بإرهابي ليبيّ، هكذا تقول التّسريبات، وتقول تسريبات لأخرى إن العشرة من الموظّفين بالقنصلية هم من سكّان تطاوين، وقع تعيينهم زمن النهضة، والله أعلم. حزب أقام دعايته للتجمّع الذي نظّمه على منطق واحد: نسف كل مكتسبات الحداثة والديمقراطية والحق في التعبير والدولة المدنيّة القائمة على أساس دستوري، حزب دعا إلى قيام الخلافة الإسلاميّة بمغربنا العربي، حزب يرى وصاح وبحّ حلقه في مكبّرات الصّوت" الخلافة هي الحلّ"، جمهور عبيط لا يفقه من فتن السياسة شيئا، كان ردّد شعارات تنضح عداء للبشر وتتوعدّ رايات عقبانها المخالفَ بالموت الزّؤام، شعارات ظاهرها إسلام وباطنها عشق مرضيّ لاستغباء الناس وجرّهم إلى معانقة الوهم، فربطوا بين "وينو الخلافة" و"وينو البترول"، لهذه السرياليّة التي لا يقتنع بها إلاّ سذّج شهدنا الخلافة محمولة على آخر الموديلات العالميّة للسيارات وبفضاء بهيّ لا علاقة له بالصّحراء، ومع مكبّرات صوت مع خطيب لم يحمل ما عليه يتوكّأ به كلّ خطيب، أو يهش به كلّ راع على غنمه، أو لعلّه لا يحمل عصاه بيمينه حتى لا تشغله عن حمل هاتفه الجوّال. بيع للوهم على المقاس العربي، مستهلكون أغبياء بدؤوا منذ سقوط الخلافة مع كمال أتاتورك، ومن يومها، كلّما أراد كاذب لمّ النّاس بلا مشروع ولا بديل صاح ملء شدقيه" الخلافة ركن من أركان الإسلام"، يستغبي الناس، فلو كان الهدف من تاريخ المسلمين إقامة الخلافة لكان الرّسول الكريم أوّل خليفتنا، ولو كانت الخلافة بهذه الأهميّة الكاذبة لاكتفينا خلفاء حدّ التقزّز إذ يستوي في الخلافة البغداديّ القاتل المتسلسل الدّعيّ والحليق رضا بلحاج، الرّاقص باسْم الديمقراطية الحاصلُ على حزب بمقتضى قانون الأحزاب المدنيّة ليخطب في بلاهة يصدّقها قطعان البعير.
رايات سوداء شبيهة برايات العقاب الداعشيّة، أو هي ذاتها، وهتافات جموع متعّطّشة للدّمّ فداء للخلافة الزائفة، ودعوات إلى خلافة منطلقة من هنا، من أرضنا، ومكبّرات صوت تصرخ" آتيّة، آتيّة" في ظرف تونسي دقيق، صرخات منكوبين، تحذيرات أمنيين، وإشاعات مغرضين وأخبار لأمنيين، وفيديوهات مهرّبين، وتحليلات إعلاميّين، أجمعت كلّها على تنافرها: داعش الخلافة، داعش الرايات السود، داعش السيارات رباعيّة الدفع، داعش الخلافة البغداديّة على الحدود فماذا أعددتم؟ يقول أبله مثلي: أعددنا لها مؤتمرا بقيادة حزب للتحرير لفتح ما تبقى من تونس في وجه الداعشين؛ وغدا سيقول ابني بعد لعْني بقبري: بكيتم وطنا لم تستطيعوا الحفاظ عليه"، عندها، سيذكر كلّ تونسيّ غير داعشيّ ولا تحريريّ ولا دعيّ حقوق الانسان والحيوان والتراب والتّعبير والتّكفير والتقتيل والاغتيال وبول البعير وغائط القرني" شفتوا الشّعب التونسيّ وهو ميّت بقصر الرياضة بالقبة"؟