فردة وضيّعت أختها

بقلم سعد برغل

لن أحدّثكم هذه المرّة عن موقفي من أيّام قرطاج المسرحيّة ولا صياح" المسرح لنا" والصياح المضادّ "المسرح للجميع"، ولن أهتمّ برمزيّة البساط الأزرق الذي عوّض الأحمر،

ولن أحدّثكم عن المعلّقة الإشهاريّة وغلبة اللون البنفسحيّ فأنا لا علاقة لي بتأويل الألوان ولا الأحلام، ويكفينا مشاهد الرعب اللغوي الذّي أتحفتنا به السيدة الفاضلة بن سدرين، فقد تذكّرت بعد سنوات أنّها قيّمة على أهمّ هيأة وأخشى لو حدّثتكم عنها أن يتهمني بعض الزّرق من أصحاب الماضي البنفسجيّ أنّي أحنّ إلى الديكتاتورية، والغريب في تلك الشهادات أنها جاءت على لون واحد أزرق حتى شهادة جلبار نقاش صاحب أول رواية في السيرة السياسية وضمن أدب السجون كانت شهادة محكومة بما كان قد أعلن عنه سابقا من أنّه، وهو الذي كان يساريّا، قد صوّت للنهضة.

نترك جانبا المسرح وقضاياه التي يعجز العقل التونسي عن حلها، تماما كما يعجز عن حلّ معظم قضايا الثقافة في مجتمع يستحيل تقريبا أن ترى أحدهم جالسا بحديقة عامة أو بحافلة أو مترو وبين يديه كتاب، لكنّه إذا سمع بإصدار جديد سارع إلى التهنئة ولام صاحبه لأنّه لم يرسل له نسخة من الكتاب، طبعا عليكم فقط أن تسألوا المثقفين أو أشباههم، وأنا أحد هؤلاء الأشباه ( أقولها قبل أن تقولوها) اسألوهم ماهي الميزانية الشهرية لشراء الكتب؟ وكم منّا زيّن صالونه بلوحة تشكيلية أصليّة؟ وكم منا اشترى قرصا مضغوطا لفنان تونسيّ؟ نحن هؤلاء الغاضبين باستمرار، تغيّر وزراء الثقافة والمطالبون تكاثروا: اعطونا دعم، الوزارة هزّت ايديها، فلوس الشعب، الفساد المالي، وكلّ واحد يتصوّر نفسه قادرا على محاسبة وزير الشؤون الثقافيّة ومندوبيه.

حضرت بعض جلسات الحوار مع المثقفين، وهنا مشكل مبدئيّ؛ من هو المثقف؟ هل كل طابع ديوان بعشرين صفحة على حسابه مثقّفا؟ هل كلّ من حضر أمسية مثقّف؟ هل كل من انتمى إلى جمعيّة مثقّف؟ حضرت وسمعت نفس الوجوه من سنوات تطالب"اعطينا" "اقصونا" "حرمونا" "المبدع الحقيقي" كلمات لفرط سماجتها بدأت أحسّ بالغثيان عندما أسمعها ولا أملك سوى المغادرة، منطق أعطيني ومنطق النسوّل الذي يحكم  السوق الثقافيّة مؤذن بخراب العمران.

خراب آخر آت للثقافة الوطنيّة على مهل، خراب ناتج عن صورة جديدة للتظاهرات الكبرى، تظاهرات يغلب عليها الارتجال والمحاباة و"شيليني أشيّلك" والغاضب أكثر من الرّاضي، وماذا سنفعل؟ الحق هناك كلام جارح ومواقف راديكاليّة لا بدّ من اتخاذها، تقول أخباري وعليّ أن أتأكّد منها، أن ملك المغرب محمد الخامس لم يعجبه أداء التلفزة المغربية فأوقف بثّها سنتين، واليوم نتساءل ماهو نفع كثير من التظاهرات الكبرى، ألم تنقلب على أهدافها، فعوض أن تُلمّع صورة تونس بالخارج فإنها باستهتار منظميها أساءت لها، والغريب أنّ من يسيء يهاجم الوزير ولم أجد مثقفا من برّ العربان اعترف بأنّه أخطأ، ثقافة المحسوبية وكول ووكّل نخرت الثقافة، ومنطق الحصول على المال بلا جهد هو نتيجة حتمية لما تعيشه البلاد من تداين يُصرف في حسابات أهل العفو التشريعي للعام الذين غنموا مليارات بلا جهد، حالهم كحال جماعة البرومسبور، فالأوّل يستثمر الدين والثاني الحظّ.

لن أحدّثكم عن حكاية مشروع الميزانية ولا تعطيله ولا السرّ البنكي ولا تدخلّ اللوبيات في قضية لطفي نقض، ولن أحدّثكم عن صراعات نداء- نداء، كلّها مواضيع لا تعني المواطن التونسي، هذا المواطن الذي أصبح لا يلتفت حتى إلى المفاوضات الاجتماعيّة ومسألة تأجيل الزيادة في الأجور، مواطننا يا سادة ينام ليلا يحلم بوطن، وينهض صباحا يحلم بوطن، ويسير قي شوارع البلد يحلم بوطن، بيعوا له وهم وطن وقريبا سيستفيق وستذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت وسيصرخ الناصر العويني من جديد" بن عليّ هرب وعوّضوه بن عليّات".

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.