قل للمليحة

بقلم سعد برغل

قل للمليحة أقوالا كثيرة شرط أن تكون هي قطب الرّحى وبيت القصيد، فلا تبخل بمفرداتك، ويجب ألاّ تخونك اللغة فتنزلق في المحاذير، 

وتقارن مليحتك بغيرها، أو أن تعيّرها، ولو همسا،  بما تفعل غيرها من مليحات العرب العاربة، أو أن تجعل من وطء كلامها  بإذنيك ضربا من البهتان، ولا يغرّنّك قول العرب العاربة فالغواني لا يغرّهنّ الثّناء دائما، فمليحتك تميّز الذّهب من النّحاس.

قل للمليحة ما عنّ لك من قاموس الوطنيّة وحبّ الوطن، انظم قصائد عشق أبديّة في نضالات القصرين وسيدي بوزيد وضرورة تخليص خصلات شعرها من أسوار مغتصبيها من "منظومة قديمة" و"حرس قديم" و"قوانين باليّة" و"تسلّط الشّركات الكبرى وفرض الشروط عليها" لاستغلالها حدّ الفحش من دوائر القرار المالي العالميّة.

قل للمليحة، بكل بلاتوهات التلفزات، أنّك ما استعملت مقدّراتها من فحم وفسفاط وتلاميذ وامتحانات من أجل تركيعها، انظم حُلو الكلام ونمّقه بشواهد من بوليفيا ومن معارضي الجنرال فرانكو والفاشية والهتلريّة، واقسم لها بأغلظ الأيمان أنّك وطنيّ حدّ النّخاع، وأنّك بقطع طرق الشاحنات وبالاعتصامات ليلا ونهارا وبغلق مراكز البريد والمواصلات والاتصالات لا تفعل شيئا سوى أنّك تتغزّل بخضرتها وبصفاء سمائها، وأنّك مناضل  لا همّ لك سوى مستقبل زاهر لأبناء المليحة.

قل للمليحة: في كل مفترق طرق وكلّ اجتماع تمهيدا للإضراب، أنّ دافعك حبّ الوطن، وأنّك على استعداد للشهادة من أجلها، فمن  أجل عيونك يا خضراء نموت ونشبع موتا ليبقى الوطن، قل لها كلاما لم تعرفه مليحة، في الحيّ، منذ عرفت البشريّة معنى الوطن، قل لها أنّ المطالبة بوقف الإنتاج إنّما بغرض توفير الرفاهة للجميع، وأنّ المليحة تسبح في محيط النفط بظاهر جسدها وباطن خباياها، لكنّه منهوب ومنتهك وخيرها ماشي لغيرها، قل لها "وينو البترول" حتى تشتري لها حليّا وأقراطا لتتبختر كما "قطر" القُطر الثّوريّ جدّا، حتى يشتري كل مواطن تونسي ناطحة بباريس، وتقتني كل تونسيّة فريقا من الفرق الأروبيّة العتيدة، فهذه امْباركة من الدّقاش ستترأّس فريق "جوفانتس"، وتلك فضيلة من برّ الهمامة ستملك مؤسّسة"شانال"، وذاك الحيزي من القصرين سيتحكّم في "ماسي"، قل لها : يا أنت يا المليحة، أنا لا أفعل شيئا سوى أن تكوني موزة بمواصفات تونسيّة خليجيّة، وأنّ البلد سيسترجع مقدّراته المسلوبة، وأنّ نفْطنا الطافح سيُسهم في ملء الثلاجات خيرا عميما، قل لها، وأَعِد على مسامعها حتى لا تنساق وراء إعلام العار، أنّك لا تفعل شيئا لنفسك ومن أجل نفسك، وأنّ الله العزيز قد خلقك لتفدي بروحك نفط المليحة وغازها وفسفاطها.

قل لها كلاما لم يقله الشعراء قبلك، ووَشِّ خطابك بمفردات تشي غيفارا ولوممبا ومظفّر النّواب، ولا تنس في شطحاتك أن تطالب الجوقة بقرع الطّبول إيذانا بافتتاح مزاد بيع التراب التونسيّ، ونبّهْها، حتى لا تسيئ الفهم، أن المعتصمين بشارع الحبيب بورقيبة من عشّاق بسمتها، تماما كما حارقي المراكز الأمنيّة،  فهم من حرّاس ثغرها من عدوان محتمل للدّواعش، وأنّ قطع السكك الحديديّة وإرباك النّقل يندرج ضمن خطّة تهدف إلى عقد قرانها مع الحداثة والديمقراطيّة، ولا تسْه يا صاحبي عن استثمار مقولة" خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء" لتنظر إليك عاشقة مُسبّحة بعلمك، عندها لن تشكّ لحظة أنّك تخاطر بحياتك وأنّك لا تنفّذ أجندات خارجيّة، وأنّك تخدم لله في سبيل الله، فالمليجة متمنّعة ولا يسهل ترويضها.

إذا نظرت إليك المليحة من تحت خمار، لنقل أسود، وقذفت في وجهك؛ ماذا فعلت بوطن مذبوح من الوريد إلى الوريد؟ فأجبها في بلاهة الحالمين: أيا مليحتي، هل ذهب في ظنّك أنّ فاتورة العشق بسيطة وأنّي ادافع عن خياناتي؟ لكنّك لن تقدر على هذا القول فمثلك جبان يعجز عن مصّ أصابعه.
ستصفعك المليحة بما لم يخطر على بال ثوريّي الوقت الضّائع: أنت تتقن فنّ القول، لكنّه قول دعيّ في الوطنيّة الزّائفة وستلطمك كلماتها: لا يحتاج الوطن خمارا أسود، ولا قطّا أسود. يحتاج هذا الوطن إلى مساحات للعشق الخالص، إلى وطنيّة بلا منسوب مرتفع حتى لا تعجز مستشفياتنا عن إيواء مرضى البحث عن الكنوز والنفط والفسفاط واستعمال أبنائنا دروعا بشريّة، وحتى لا نُضطرّ إلى إنشاء مستشفيات متنقّلة بالصحراء التونسية  بمثلث التهريب والإرهاب وبيع الوطن.