متى سيستضيف القصر السّلفيين؟

بقلم سعد برغل

سيّدي رئيس الجمهورية التونسيّة،

تحيّة تليق بمقام الخبرة والديبلوماسيّة والبورقيبّة والحداثة والتفتّح والأصالة ووعود انتخابيّة ملء السماء والأرض.

اسمح لي سيدي الرئيس، رغم أنّي أعرف أنّ مشاغلك لن تسمح لك بقراءة ما سأكتب، ولا يعني مستشاريك أن يطّلعوا على رأي أحد الهائمين ببرّ تونس، اسمح لي أن أكتب لكم من هذا الفضاء حتى أبرّئ نفسي من وعد كنت قطعته على نفسي منذ ثورتنا المجيدة: ألاّ يكون قلمي في خدمة السلطان، كنت كالآلاف من المشرّدين نبحث عن مأوى لأفكارنا، فقد كنّا بلا جناحين، نعرف تعاسة الإسلام السياسي، خبرناه بالجامعة، بالشارع، بفنادقنا، بمساجدنا، خبرناه بالسودان وبمصر، ورأينا تدميره للجزائر وللصومال ولباكستان وإيران، كلّهم واحد مهما تلوّنت الجغرافيا وربطات العنق والجلباب والجبّة، رأينا توحّشه بتونس ومصر، ولمسنا بل عايشنا قتله للإبداع وعداءه للحداثة، مكتسبات امرأة التي صوّتت لمن توسّمت فيه مناصرا لها ولقيم الحداثة ، فصرخت صونا للصوت الانتخابي"خطان" وتصايحنا " لا يلتقيان".

سيّدي الرئيس، التقيت مع النهضة، وهو من حقّكم في تقييم المرحلة، لكنّك أمام فشل الخيارات، وكلّ أمر نسبيّ، علّقت النتيجة على الإعلام، ونسيت أنّ نداءكم لولا الإعلام لما أمكنه أن يكون، إعلام تحدّى ضغوط النهضة واستضاف مؤسّسي حزبكم، وتحمّل هذا الإعلام السيل الجارف من العداء والنعوت وإعلام العار والاعتصام أمام المؤسسة ومكّنكم من إبلاغ صوتكم في اعتصام الرّحيل وما سبقه وما تلاه، مكّنكم هذا الانفلات الإعلاميّ من الدّعوة إلى إسقاط الحكومة، هو نفس الصّوت الذي تقولون اليوم بأنه وراء التجييش، ولو بدرجات متفاوتة.

سيدي الرّئيس، النداء والحكومة والرئاسة منطقة وسطى بتونس، لا تعرف على أيّ قدم ترقص؛ بالأمس سمعناكم تقولون إنّ سبب البليّة هي حكومة الإسلام السياسي التي أتخمت الوظيفة العموميّة انتدابات من منخرطيها، فتصدّى لكم أحد الذين دخلوا الحكومة تلك وخرج ولم تحاسبوه أنتم لاحقا، نعتكم بما أسقط هيبة الدولة التي رفعتموها شعارا، وتعدّى على كلّ تونسي، لكنّكم لم ترفعوا ساكنا، فمن وصفكم بالنادل بحانة لم يعتد على شخصكم الكريم، بل اعتدى على رمز الدولة وسيادتها، حاله أتعس من حال من أحرق العلم، لكنّكم لم تحرّكوا ساكنا سيدي الرئيس.

سيدي الرّئيس، بعد حكاية الإسلام السياسي حلّقتم بسماء الخليج بطائرة يدفع كلّ الشعب ثمن رحلتها ، شعب من يمين ويسار، حلّقتم وسمحتم بتجربتكم الديبلوماسيّة أن تتّهم مواطنيك بأنهم استئصاليّون، تماما كما فعل سلفكم محمد المنصف المرزوقي، وكنتَ، وقتها، أوّل المندّدين، يوم كنت تعطي دروسا للمؤقت في أن يكون رئيسا لكلّ التونسييّن.

سيدي الرّئيس، إن كنت حريصا على هيبة الدولة فعليك، وليس من باب الأوامر، فأنا عبد ضعيف لا حول له ولا قوة، أن تحاسبوا من لم يجد الجرأة إلى حدّ الآن من مستشاريك حتى يطلع في التلفاز ويدعو إلى مناظرات سياسيّة يحتضنها القصر، مناظرات يمين يسار، مناظرات إسلام وسطي وإسلام متطرف، رضا تحرير وتيار المحبّة، أنصار أبي عياض وجماعة حمّة الهمامي، فأنت رئيس كلّ التونسيين، وعليك أن تطلب من المحترمة سعيدة قراشي مثلا أن تستقبل بالقصر الرئاسي مجاهدات النكاح التونسيات، وأن تطلب من خالد شوكات إقامة مأدبة استقبال على شرف تونسييكم بالشعانبي وبجبل سمامة، وعليكم سيدي الرئيس، رئيس التونسيين المعتدلين والاستئصاليين أن تأمروا رضا بلحاج النداء لا التحرير أن يشرف على جلسة عمل لوضع استرتيجيات لأفغنة ما تبقى من شوارعنا حتى تنخرطوا كما يجب في العباءة الخليجيّة، فالواحد لا يعرف ماذا تخبّئ له الأيّام.

سيدي الرئيس، سأنصرف إلى إعداد دروس طلبتي وتأمين لقمة عيش لأبنائي، وسأتلهّى بعض الوقت بلعب الورق مع بسطاء صوّتوا لك رفضا للنهضة وللاستئصاليين، لكنّهم وجدوا أنفسهم في النهضة مع صوت ينطق بما تريد أن تنطق به النهضة.

سيدي الرئيس؛ هل قتل اليسار تونسيّا؟ هل أحرق نزلا؟ هل رشّ الوجوه بماء الفرق؟ هل أحرق حرّاسا؟ هل شلّط مؤخّرات تونسيّات؟ هل رفع السّلاح في وجه النّظام؟ هل أفلس الدولة بالتعويضات؟ هل أتخم الوظيفة العموميْة بالعفو التشريعي؟ هل استعمل السّلح والخلاف والشنق والإعدام والتكفير؟. سيدي الرئيس، تمنياتي لك بطول العمر وموفور الصّحة، وأتمنّى من كلّ قلبي أن تستضيف كل سلفيّ شرّع لقتل التونسيّين وهدّد سلامتهم، استضفهم فقد تحتاجهم في المستقبل السياسيّ العائليّ، لكن انتبه سيدي الرّئيس فأنت رئيس كلّ التونسيين، على الأقلّ، دستوريّا.

سيدي الرئيس، دمت تونسيّا.

* المقال لا يلزم إلاّ صاحبه.