الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2013/11/12 22:21

محروق وحارق: من هو التونسي الذي سيكتب ملحمة 17-14؟ بقلم منصف الوهايبي

محروق وحارق: من هو التونسي الذي سيكتب ملحمة 17-14؟ بقلم منصف الوهايبي

يوم 17 ديسمبر2011 أضرم بوعزيزي النار في جسده وبدأت ثورة "المحروق". ويوم 14 جانفي 2012 "حرَقَ" إلى السعوديّة، فكانت ثورة "الحارق". وما بين هذين التاريخين اكتشفنا تونس أخرى نكاد لا نعرفها نحن الذين نشأنا بها ودرجنا. ومع ذلك لا نزال نبحث في ما كتب من أدب عن هذه "الخضراء" التي تتحوّل يوما بعد يوم إلى "خضراوات"(بفتح الخاء أو بضمّها).. أو خرداوات (وهذه كلمة فارسيّة برغم أنّ إيران تنتقل من الخردة إلى النووي بسرعة عجيبة).. فلا شعر ولا مسرح ولا سينما

ولا رسم ولا نحت... فقط عالم فايسبوكي أشبه بعالم الحلم.. وشخوص كالأشباح .. منقّبة تجيز لنفسها أن تَرى ولا تُرى .. وملتحون.. لحية الأفغان حِليتهم.. ومجلس تأسيسي يكاد يكون صورة من عالم أسيويّ غابر بأكثر رجاله العابسين ونسائه الخرساوات ..لولا بعض ضوء
لكن من مفارقات الأدب أو التّاريخ، أن يعرف أدبنا "الشّفوي" أو الشعبي أشكالا ملحميّة مثل: "سيرة عنتر" [عنترة بن شدّاد] التي يجدها البعض شبيهة، على نحو مثير، بـ"أغنية رولاند" من حيث موضوع الفروسيّة والإحساس بعظمة أرض الأجداد. وهي عناصر أساسيّة في الملاحم المعروفة، أو سيرة بني هلال أو سيرة سيف بن ذي يزن ولا نملك، في هذا السياق، إلاّ أن نشاطر القائلين بأنّ العرب لم يعرفوا الملحمة إلاّ في الأزمنة الحديثة: "الإلياذة الإسلاميّة" لأحمد محرم، وهي قصيدة طويلة تروي سيرة النّبي محمّد، و"على بساط الريح" لفوزي المعلوف، و"عيد الغدير" لبولس سلامة، وأساسها واقعة الغدير الشيعيّة الشهيرة. والسؤال: بِمَ نفسّر هذا "النقص" إن كان ذلك يُعدّ نقصا.

أمردّ ذلك إلى قاعدة القافية الواحدة في أكثر الشعر العربي القديم ما عدا الموشّحات وهي تنضوي إلى الغناء  وليس إلى الشعر؟ أهذه القافية هي التي حالت دون إنشاء القصائد الطّوال كما جاء في دائرة المعارف الإسلاميّة، برغم أنّ الرّجز كان ـ بحكم تنوّع قوافيه ـ يتيح نوعا من النظم الملحمي؟ أم مردّ الأمر  إلى جهل العرب بالملاحم القديمة مثل الإلياذة والأوديسة، وصعوبة ترجمتها؟ هذا بالرّغم من أنّ ملحمة مثل "الشاهنامه" للفردوسي، كانت متيسّرة لهم سواء بالعربيّة أو الفارسيّة. ولكنّهم لم يلتفتوا إليها.

فهل يرجع الأمر إذن إلى "تقليد قوميّ" ترسّخ في هؤلاء العرب منذ الجاهليّة، وإلى إحساس بعظمة شعرهم، قد يكون صرفهم عن إنشاء الملحمة، رغم امتلاكهم لعناصرها اللازمة، على نحو ما نلمس في مدوّنة الشعر الجاهلي ـ وهي من أعظم ما ترك العرب حتى أنّ غريب القرآن وما أشكل من آياته كان يفسّر بهذا الشعر. وكذلك الشأن في قصائد غير قليلة لأبي تمّام والمتنبّي وأبي فراس وابن هانئ الأندلسي، وإن كان من التمحّل عليها أن نعدّها ملاحم حقيقيّة؟

من المفيد، للإجابة عن أسئلة كهذه أن نعود بالملحمة ودلالتها إلى الأصل الأتيمولوجيّ لهذه المفردة في اللّغة الإغريقيّة. ولكن بما أنّ عمودا كهذا لا يتّسع لمثل هذا التدقيق

 فإنّنا نقتصر على الإشارة إلى أنّ المقايسات الاستعاريّة تذهب أحيانا إلى إضفاء خصائص العمل الملحميّ على نشاط غير أدبيّ في الأصل، أي على نشاط ملحميّ كهذه "الثورة" التونسيّة التي لم تنشئ بعد ملحمتها ولا نخالها ستفعل بعد أن تحوّلت إلى "محاصصات" حزبيّة وعائليّة بائسة وولاءات قبليّة وجهويّة.. فهناك تونس 17 ديسمبر وهناك تونس 14 جانفي وما بينهما يحفر كثير أو قليل من التونسيين قبورهم بمعاول "الحرية".

وحتى لا يحجزنا الاستطراد نقول إنّ الجنس الأدبيّ قد حدّد منذ القدم بالرّجوع إلى القصيدتيْن الطّويلتين لهوميروس: الإلياذة والأوديسة. وقد مثّل هذان النّصّان نموذجا للملاحم الأخرى القديمة حتّى العصر الوسيط، وعصر النّهضة. وهي بالتأكيد ليست "النهضة" التونسيّة  ولا هؤلاء "الرؤساء" الثلاثة، وبعضهم "موقوت" وليس مؤقتا على نحو ما نلمس في تصريحاتهم العجيبة.

  هل تقتضي الملحمة بالضّرورة استحضارا للعجيب هو تأكيدا ليس النقاب ولا الدعوة إلى الختان أو الزواج العرفي؟

و ما يدفع إلى مثل هذا السّؤال، هو أنّ معظم الملاحم تستدعي إلى دائرة أحداثها آلهة، وشياطين، وملائكة، وقوى غريبة غامضة فيكون السّؤال: هل يمثّل حضورها شرطا جماليّا للملحمة؟

لقد أثارت هذه المسألة بعض الخلافات بين دارسي الملحمة، ويمكن أن نكتفي بالإشارة إلى ما يقوله هيغل من أنّ إدماج الآلهة في الملحمة من شأنه أن يوفّر حضورا عينيّا وذاتيّا لقوى هي في الأصل قوى جوهريّة وكلّية، أي موضوعيّة. ويكون ربطها شعريّا بالملحمة من قبيل ما ينحت هويّة موحّدة للآلهة والبشر حيث يتمّ التّأليف في نفس الوقت بين القوّة الكونيّة الوظيفة الرّمزيّة للآلهة والخوارق الطّبيعيّة وما يجري في الحياة.

وعليه تكون الوظيفة الجماليّة للعجيب في الملحمة هي نفسها: أن تجعل للفعل البشري أصداء تتجاوب في أبعد ما يكون من فضاءات العالَم وتتردّد مثل هذه "الثورة" التونسيّة التي كادت تخلب لبّ شعوب كثيرة.

وفي الجملة، فإنّه يمكن القول في ما يخصّ شروط الملحمة أنّها ظهرت منشدّة إلى مقتضيات يبدو أنّها تمثّل هي نفسها جزءا من تعريفها ومن طبيعتها. لكن ذلك لا يعفي من التّساؤل عمّا إذا لم تكن الملحمة شكلا مرتبطا بحضارات دون أخرى، أو بمجتمعات لم تعرف فكرة "الدّولة" بعد أو بيقظة الحركات القوميّة على نحو ما نجد عند بعض الفلاسفة مثل هيجل.. لعلّ الأمر كذلك في هذا الوطن وقد صرنا نخشى أن يضيع منّا بفعل هذا المدّ السلفي.. بعد أن وقع في الوهم أنّنا ظفرنا به بعد 14 جانفي.

 منصف الوهايبي

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg