الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2015/06/24 13:18

مدفع رمضان

مدفع رمضان

بقلم سعد برغل

مَن مِن الصّائمين اليوم لا يعيش على إيقاع صورة باقية باللّاوعي عن "رمضان زمان"،

ما الذي تغيّر في واقع الصّوم حتى نجد أنفسنا اليوم في قطيعة شبه تامّة بين ما كان عليه رمضان التّونسيّين وبين ما يعيشونه اليوم؟ ما هي أسباب هذا التّغيير؟ هل للمتغيّرات الاجتماعيّة دور أم إنّ الأمر يعود إلى انتقال في توظيف الدين ومظاهره من روحانيّات خالصة لوجه الله إلى مزايدات سياسيّة تجعل من القيمة الروحيّة للصيام قيمة تتراجع لتحلّ محلّها قيمة البراغماتيّة السياسيّة؟.
لا يمكننا أن ننظر إلى الصّوم ظاهرة إلا إذا ألححنا، كما ألحّ غيرنا، أن الصّوم طقس من الطقوس الدينيّة التي لا ينفرد بها الإسلام، فقد كانت ظاهرة موجودة قبله مع الموحّدين، أو كذلك ضمن طقوس عبادة تُخصّص يوما للصيام أو تصوم عن تناول بعض المأكولات أو تمتنع عن تناول بعض المشروبات، وهو ما يجعل علاقتنا نحن، اليوم، بالصّوم ليست علاقة دينية فقط، هي علاقة انتروبولوجية تحتوي كثيرا من الموروث الديني والسّلوكيّ وخاصّة المسائل المتعلقّة بالأكل والشّرب، لذلك تكثر الملاحظات المتعلقة بأفضل السبل لتجاوز العطش في حال الإقبال على تناول الخضر وأفضل الحلول لتجاوز الهبوط المفاجئ للسّكر أو كيفيّة منع ارتفاع ضغط الدّم، هي وصفات طبيّة ناتجة عن تراكم التجربة في العلاقة بالصّوم، إلى درجة أنّنا اليوم نأخذها من باب المسلّمات ولو لم يؤكّد العلم صحّتها، وطوّر المسلمون، عبر تجاربهم مع الصّوم باعتباره خاضعا لدوريّة منتظمة، مجموعة من النصائح الطبيّة تتلاءم مع ظرف الصوم أكان خريفا أو شتاء مثلا، وبحسب طول   ساعات الصوم أو قصر النّهار.

للصبا عهد وذاكرة مع رمضان، فقد كانت الاحتفاليات ببساطتها موغلة في معانقة الإسلام الشعبيّ الفطريّ، هو المناسبة لإبراز مزايا "الاقتصاد العائلي"، ففي جزيرة قرقنة مثلا وبجربة وجرجيس حيث يتوفّر الصيد البحري يكون رمضان الكريم فرصة لاستهلاك ما سبق أن خزّنت الأمّ من سمك وما حافظت عليه بتقنيات تقليدية فعالة تجعل طهوه في رمضان أمرا لا  يعرّض المفطرين للخطر، كما يسعد ساكنة تطاوين وغمراسن وسيدي بوزيد أن تحفل مائدة إفطار رمضان بمكوّنات حافظت عليها ربّة المنزل من فصل سابق وأجرت عليها خلطات ورثتها عن أمّها التي ورثتها عن جدّتها في إطار الاقتصاد الأسريّ وكذا الشأن بالنسبة إلى الوطن القبلي ممّا يُعلي من شأن الاقتصاد الأسريّ ويرفع من مكانة المرأة المساهمة في الاقتصاد العائلي.
كان رمضان زمان، باعتماده على هذا الاقتصاد الأسريّ، يعزّز مقولة كثيرا ما انتشرت بالمصنّفات الفقهية والتي تقول إنّ رمضان في بعضه شهر توفير وابتعاد عن التبذير بما أنّ الكتّاب كانوا يلمسون 

فعليّا مدى استعانة المسلمين بالمدّخرات لتلبية حاجيات رمضان، لذلك فهذا الضّرب من الاقتصاد القائم على الادّخار كان وراء الإلحاح على الخاصيّة الادخاريّة لهذا الشّهر، فالعائلات لم تكن تستهلك اليوميّ الطازج الجاهز كثيرا، بل كانت الأكلات من "القدّيد" و"المملّحات" و"الشرمولة" ومن "العولة" التي تفلح فيها جدّاتنا.

رمضان زمان عشناه على صوت المؤذّن يأتينا من بعيد يشقّ الصمت لحظات الغروب، كانت القرى تطلب من ساكنيها الصّمت انتظارا لصوت المؤذّن الُمؤذن بجواز الإفطار، ولم يكن المدفع دارجا بكثرة في مختلف القرى التّونسية، ربما كان خاصّية مدينية، لأن ظهوره بالقاهرة  عام 865 هـ، كما تقول كتب التأريخ، لم يكن القصد منه الإيذان بالإفطار، بل إنّ مدفعا جديدا وصل القاهرة فأرادت تجربة قوّته، وصادف الإطلاق وقت الإفطار، فلما سمع النّاس صوت المدفع في تلك اللحظة تدافعوا لاحقا على باب السلطان لشكره ظنّا منهم أنه أمر بإطلاق المدفع لتنبيههم إلى الإفطار، فكان أن أضاف إلى مدفع الإفطار مدفعيْ السّحور والإمساك.

وتقول رواية أخرى إنّ مدفع رمضان جديد نسبيّا، مقارنة بالرّواية السابقة، ظهر في عهد الخديوي  اسماعيل، وأطلق الجنود المدفع صدفة في توقيت الإفطار فاستحسن الناس الأمر، فسارعت ابنة الخديوي اسماعيل فاطمة لاستصدار أمر بتخصيص هذا المدفع لشهر رمضان، علما أن السيّدة فاطمة هي التي تبرّعت بما تملك ببناء الجامعة المصرية التي ترأّس عمادتها طه حسين لاحقا.

رمضان زمان في صوره الباقيّة؛ تزاور وتوادد وإرسال بعض المآكل إلى الأعمام والجيران، رمضان "الذواقة" والاكتفاء بالقليل وحمد كثير لله، فلا أتذكّر زحاما أو تدافعا على اشتراء المنتوجات ولا أعرف، صغيرا، طريق المخبزة، فكلّ المشتريات يمكن أن تكون صباحا، ولايعنينا من أمر الاستهلاك نوع الخبز ولا نوع المفتّحات، كان رمضان الطّبق الواحد أو يكاد، هذا الطبق الواحد خاصيّة انتروبولوجية عربيّة، يستجيب لمفهوم "ذوي القربى"، فالجلسة" العربي" لاتكون إلا مع "الطبق المشترك"، ولا يكون إلاّ باستعمال اليد دون السكاكين والشوكات، ولعلّ نصّ طه حسين في "الأيام" أفضل مرجع للفهم، في حين أنّ كثاريّة الأطباق وتعدّدها والاستعانة بالشكاكين والشوكات والانفراد بالصحن طقس ارستقراطي غربيّ نشأ مع انتقال نمط الإنتاج الغربيّ من الإقطاع إلى البرجوازية ومعها ظهرت "الأطباق الفضية" وإيتيكات الأكل البرجوازي"، والله أعلم.

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg