Français|

الاستقبال >أخبار >وطنية

وطنية2017/10/24 10:36

موسم جني الزيتون : موروث شعبي لإنعاش الإقتصاد

موسم جني الزيتون : موروث شعبي لإنعاش الإقتصاد

في مثل هذا الوقت من كل عام تعود بي الذاكرة إلى أيام الطفولة عندما كنت أرافق عائلتي إلى جنان الزياتين لقطافها صورة ارتسمت في الذاكرة و من الصعب نسيانها : نسمات الفجر الباردة و رائحة التراب المبلل و أهازيج النسوة تحت شجرة الزيتون مهللين مزغردين و أعذب الأغاني البدوية منشدين.. لقاء أفراد الأسرة بالأقارب و الأحاديث المطولة بينهم دون أن يمنعهم ذلك من العمل الجدي على التنقل هنا و هناك لجمع حبات الزيتون من أشجار الغابة.. كلها مشاهد خلدت تاريخ واحدة من العائلات التونسيّة..

مبعث الفرح

المشهد الذي ارتسم في ذاكرتي لم يختلف كثيرا عن ما تعيشه هذه الأيام جل الأسر التونسية لا سيما منها الريفية ففي الصباح الباكر يتوجّه العمال رجالا ونساء إلى غابات الزيتون على دواب و سيارات أو دراجات جمعا وفرادى ليحطون رحالهم في وجهتهم المقصودة ويبدؤون بفرش الأرض المحيطة بأشجار الزياتين بالافرشة والحصر ونصب سلالم للجني (الصرافة) ويشرعون في جني حبات الزيتون بواسطة أدوات على شاكلة المشط تمرّر بين أغصان الأشجار وتسمى بـ"الڤرون" (والتي صنعت من قرون الكباش) أو أدوات حديثة تعتمد هذه الأيام" مشط من البلاستيك" ويتكفّل بقية العمال رجالا ونساء بجمع حبات الزيتون المثناثرة هنا وهناك في أكياس أو في صناديق أو غرابيّل وتوضع جانبا.. و واحدة من النسوة تتكفل بجمع الحطب والقش لإشعاله للتدفئة وطهي الغداء و الشاي.. الكل يعمل والفرح والابتسامة لا تفارق وجهه من بزوغ الشمس إلى مغيبها كيف لا وهو موسم الفرح لنا نحن أبناء الريف فبضحكنا ولهونا تحت أشجار الزيتون الخير يزيد وتنزل البركة من الله.
موسم جني الزيتون هو فرصة للقاء جميع أفراد العائلة فأنا أذكر جيدا أن البعض من أبناء جيراننا الذي كانوا يشتغلون في المدن كانوا يأخذون خلال هذه الفترة إجازات من عملهم ويعودون رفقة زوجاتهم وأبنائهم من المدن المقيمين فيها حيث يشتغلون الــى ديار الآباء والأجداد ليقضوا هذه الفترة من العام في غابات الزيتون مجتمعين ،عطلة اقترنت في الغالب بالعطلة الشتوية خلال العام الدراسي...

Saison Olive1.jpg

 استهلاك التونسي لزيت الزيتون

التونسي رغم التقدم و التطور الذي عرفتهم معاصر الزيتون في مختلف ولايات الجمهورية الا انه ظل يحبذ في تذوقه زيت الزيتون الطريقة التقليدية التي تحافظ على كل خصائص زيت الزيتون الغذائية ويؤكد أن الطريقة العصرية تفقده البعض من ميزاته والنساء الريفيات بالخصوص يفضلن ولحد هذا اليوم القيام باستخراج زيت الزيتون بأنفسهن على طريقة الأجداد والتي تتمثل في وضع كميات الزيتون في حجر "الرحى" ليتحوّل بدوره إلى عجينة يستخرج منها سائل هو مزيج من الزيت والماء يوضع في أوان فخارية كبيرة (العجان) بقصد الترسيب ليسهل فيما بعد فصل الزيت عن الماء (عملية الطفح) ويطلق على هذا النوع من الزيت اسم "زيت النضوح" الذي يعني في الموروث الشعبي التونسي "العصرة الأولى" ويعتبره أهل الريف والمستهلك التونسي بصفة عامة أفضل وأجود أنواع زيت الزيتون على الإطلاق مذاقا وقيمة ويتميّز هــتذا الزيت باخضرار لونه وقوة رائحته وشدة صفائه (حرورة في المذاق)...
العديد من التونسيين وخاصة منهم كبار السن يفضلون زيت الزيتون على باقي الأدوية لمعالجة بعض الامراض مثل التهاب الحنجرة ونزلة البرد الحادة و حتى الشباب كذلك اقتدى بالكبار و وجد في هذه المادة الغذائية الدواء.

أنواع الزيتون 

الزيتـون أنواع وأصناف فمنه ما يسمـــــــى ب "الشملالي" و"المسكي" و"البسباسي" و"المرصالين" و"الوسلاتي" و"الزلماطي" و" الزراسي" و "الجربوعي" وتوجد تسميات أخرى لأنواع أخرى من الزيتون تتراوح بين تسمية "الشعبي" وهو أكبر أنواع الزيتون حجما و"الباروني" و"التكوبري" نسبة إلى قطافه في شهر أكتوبر أي قبل الموسم العادي للقطاف بحوالي شهرين والبلدي و"الباروني" و"الإنجاصي" و"منقار الرخمة "و"البلحي" و"الجا مري..." و تنتشر غابات الزياتين في عديد الجهات التونسية لعل أهمها من حيث الانتاج الساحل التونسي سوسة و المنستير و المهدية و عاصمة الجنوب صفاقس وعاصمة الاغالبة القيروان و الشمال التونسي و زغوان و بعرادة و سليانة و جندوبة و الكاف و زيتون جرجيس و مدنين و قفصة.. وغيرها من الجهات.. كل جهة تتميز عن سابقتها في زيتها مذاقا، جودة وكمية..

Saison Olive2.jpg

انتعاشة اقتصادية

موسم جني الزيتون يمثل موسم الانتعاشة الاقتصادية فالعديد من العائلات المنتجة للزيتون تبيع محصولها من الصابة الوفيرة لتصريف العديد من شؤونها ومشاريعها التي ربطتها بهذه الصابة (الاعراس، مشاريع البناء و الاصلاح.. تكاليف الحرث ولزبيرة..) وتـــُبقي على كميات أخرى للاستهلاك وإهدائها للأقارب وبعض الجيران والأحباب.
وتعول الحكومة التونسية على صابة الزيتون كل عام لرفع صادراتها للخارج وزيادة احتياطياتها من العملة الصعبة واكتساح الاسواق العالمية لتحتل المراتب الاولى في تصدير أجود أنواع الزيوت هذا على المستوى الوطني أو العالمي أما محليا فالتونسي يقبل على شراء زيت الزيتون بشكل منقطع النظير، فهذه المادة الاستهلاكية تحظى بأهمية بالغة في التقاليد الغذائية والصحية للتونسي فلا تخلو مائدة تونسية منها من شمال البلاد إلى جنوبها.

شجرة مباركة

وكدليل على ما يمثله موسم جني الزيتون من إحياء للتقاليد في العائلة التونسية تقام بعض المهرجانات للاحتفاء بشجرة الزيتون مثل مهرجان جني الزيتون بجزيرة جربة مهرجان الزيتونة الدولي بالقلعة الكبرى الذي يخصص كل عام يوما يشارك خلاله السياح في جني الزيتون وتذوق المأكولات التقليدية للتعريف باختصاصات المطبخ التونسي.
و تقام الندوات والملتقيات الفكرية للتعريف بتاريخ هذه الشجرة المباركة وأهميتها في الاقتصاد التونسي والعادات الاستهلاكية للأسر التونسية..

Saison Olive4.jpg



هاجر النوالي

الطقس

اليوم 16.05.2025

المزيد
Economique Jawhara FM
horoscope.jpg
babnet.jpg