ميحانة ميحانة

بقلم سعد برغل

شكون قتل شكري؟

مع كلّ سنة تمرّ يكثر قتلة شكري بلعيد، هذا ما يصرخ به الشارع التونسي،  ملايين خرجت حاملة نعشه إلى مثواه الأخير، كانت هناك قناعات شعبيّة يومها أنّ القاتل معروف وأنّ من أمر بالقتل معلوم وأنّ المستفيد من قتل شكري بلعيد مشهور،

غصّت الشوارع باتجاه مقبرة الجلاّز، ملايين تصرخ مشيرة إلى القاتل الفرد الجمع، ملايين متأكّدة من فاعل الفعلة، ملايين تعرف " شكون قتل شكري"؟. كانت أعداد كبيرة من القتلة المزعومين مرعوبين من تحوّل الدفن الفرديّ دفعا لجماعة، قد أشارت إليها المشيّعون، جماعة اختارت الرّصاص لإخراس اللسان ، جماعة " لهم في مشروعنا مكان وليس لنا في مشروعهم مكان" هكذا ضبط شكري بلعيد قتله قبل قتله، كان يعرف من قاتله ومَنْ تحت جلبابه الأفغاني ولحيته الكثة سيستلّ مسدّسا وسيصوّبه إلى صدر شكري بلعيد ويطلق ساقيه للريح، فالجوّ مهيّأ للقتل ولا خوف عليه، فالجماعة قد عبّدت طريق الإفلات.

شكون قتل شكري؟

علينا أن نخجل من أنفسنا ولا نعود إلى طرح هذا السؤال الغبي؛ من قتل شكري؟ معيز البلد وأحمرته وبغاله وهواؤه وجباله وسهوله وبحره وسهله اجتمعت على معرفة من قتل شكري؛ ونحن نضحك من أنفسنا على أنفسنا بأنفسنا ونعيد طرح السؤال الممجوج، شكون قتل شكري؟ حتى نكاد نجزم أنّنا كلّما طرحنا السؤال أمعنّا في السخرية من شكري وجدّدنا قتله، قتله الاستثمار في الدين والمساجد، ومشى في جنازته، وتصايح حماة القتل والقتلة كيف تصاحب النسوة شكري إلى مثواه الأخير، هي بدعة وكلّ بدعة...شكري مات وشبع موتا بعد موته، وفي كلّ مناسبة يعود ليعود القتلة إلى القتل، شكري استعصى قتله، ويصدق فيه كلام الصغير أولاد أحمد رحمه الله" شكري قتلته اللغة".

شكون قتل بلعيد؟

أتذكّر جيدا يوم تشييع جنازته وفرائص الزّرق ترتعد أنّ أحد قتلته  بشّرنا قال لا ننتظر الكشف عن القتلة لأنّ تاريخ الاغتيالات لا يذكر مطلقا أنّ قضيّة اغتيال قد وقع حلّها، هذا كلام ومازالت بسمة بلعيد تتقبّل التعازي في رفيقها، وعلى ذكر الرفيق، أشباه الأميين، يومها طلعوا على الناس بحكاية طلاق شكري بلعيد وطفقوا يتحدّثون عن أخلاق الرفاق ومسّوا عرض مناضلة بكلّ صفاقة، ونسأل اليوم شكون قتل شكري؟ قتلته اللغة التي فضح بها أهل الكهف ومشروعهم، قتلته حماسته وهو يدافع عن الخصوصية التونسية، أمام زحف طالبان وسكّان تورابورا وفتاوى القرضاوي وغنيم وفقهاء الخليج الذين أفتوا في الفضائيات بقتل كلّ مخالف للزرق.

من قتل شكري؟

كانت اللغة قد فعلت فعلها في نفوس مريضة حتى هدّده الأئمة بالمساجد، طبعا أئمّة من الجبهة الشعبية ومن الوطد الموحّد، وهدّده وزير في كواليس حصة تلفزية"توا نفريلك كرشك" وهدّده شباب حزب العمّل في شارع الحبيب بورقيبة، وأطلق رفيقه حمة حملة لشيطنته ووصفه أكثر من مرة بأنّه عدوّ للإسلام والمسلمين، كان شكري بلعيد من أقرب المناضلين إلى حزب الإسلاميين، فقد كان رحمه الله من دعاة فتح المساجد أمام دعوات التسفير إلى سوريا ومن دعاة الترحاب بمجاهدات النكاح، و كان من أشرس المنادين بتطبيق الشريعة واعتبار القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع، حتى توهمّت يوما أنّه قاد مظاهرة للأئمّة والوعّاظ مندّدا بالعلمانية ومدنية الدولة.

من قتل شكري؟

لا أعرف على وجه الدقّة هل سيسمح رئيس التحرير بنشر الافتراض أم سيعترض لأني بدأت أشكو من غباء مزمن منذ غادرنا شكري بلعيد، ذات يوم ترشّح مواطن تونسي اسمه في دفاتر الحالة المدنية الباجي قائد السبسي واستقبل عائلة شكري بلعيد وتلخص برنامجه الرئاسي في كشف الحقيقة عن قتلة شكري بلعيد، فدشّن ساحة قديمة ورخامة عرض البلاد وكتب اسمه بماء الذهب فقتل شكري للمرة الثانية، يوم جعل من شكري برنامجه ليكون رئيسا وقد كان، وبالأمس عندما  اغتالنا واغتال حلمنا.ِ

لنا أن نتغابى ونتساءل شكون قتل شكري؟

الصغير أولاد أحمد قال إنّها اللغة وأنا أقول هو الوطن الذي تناهبته الذئاب وانتبه مبكرا شكري إلى الخطر فصاح وهتف وزعق وبحّ وغضب ومرض " اوقفوا لتونس" ولأنّ من قتله كان يضمر الشرّ لتونس فكان لا بدّ أن يقتلوه حتى يحصلوا على تعويضاتهم ويبيعوا الوطن.

شكون قتل شكري؟ بكل بساطة: نحن من قتله، ونحن من ءقتله يوميا ويحتفل كل سنة بقتله.


 ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.