وفي رواية أخرى" غلطوني"

بقلم سعد برغل

دخلت اليوم صباحا إلى مقهاي المعتاد، لمن لا يعرفني ويريد معرفة بعض سلوكاتي الممتعة أقول: أدخل صباحا إلى مقهاي، لا أطلب شيئا من البشير النادل، فقد اعتاد منذ سنوات على مطالبي الصباحية، 

أجلس بمفردي أنظر إلى البحر الممتدّ أمامي وأتذكّر أحبابا غابوا وأصحابا خانوا وزملاء بقيت لي منهم بعض ذكرى، وقد يأخذني البحر إلى صباي وسنوات صعلكتي الأولى. ليلا، بعد الحادية عشرة، أتّجه إلى مقهى ثانيا، لا أطلب شيئا فالنادل يعرف قهوتي المرة، أبقى نصف ساعة وحيدا أنظر إلى الظّلام وإلى الاّ شيء، لأتذكّر أهلي من رحم الرّب ميّتين وأحياء، أُبرمج للغد وللأسبوع القادم في صفاء ذهن.

هدى الله السيّد غازي، خلوق، محترم، متسامح، كتوم، لا يرفع الصّوت، يدخن نرجيلته في عبادة العشّاق، لا تسمع منه لغوا، تجتهد حتى تتبيّن كلامه، اليوم أفسد عليّ متعتي الصباحيّة، دخل أحمر الوجه، تعلو محيّاه سمات غضب مكتوم، اتجه صوبي وبادرني" توا يعجبك هكّا، الباجي في خطابه يقول إنّه لم يتمكّن من ترويض النّهضة، وسيبقى بما معناه حزبا دينيّا، رغم ادّعاءاتها الطويلة والعريضة ورغم ربطات العنق وتدشين معامل الخمر، لماذا قال ما قال في الخطاب، والحال أنّه التقى شيخهم قبل يوم واتفقا على أعضاء الحكومة في التّحوير الوزاري وأضاف إليهم وزيرا"؟.

طلبت من غازي الهدوء والجلوس، امتثل مغضبا لاعنا السياسيين،سألته" كنت أنتظر أن تحدّثني عن الشعب التونسي العظيم الذي كان السّباب والشتائم لمعلول مدّة 80 دقيقة وبعدها رفعته نفس الحناجر على الإقناع مطالبين بضمّه إلى وزارة الشاهد فهو أفضل العرّيفين بالرّياضة"، ابتسم وأجاب" اي شبيه معلول غبيّ، يترك جراية شهرية بالعملة الصعبة مقدارها عشر مرّات جراية وزيرة الثقافة، ويسافر ويقيم بالفنادق ويتسوّق على حساب الشعب الذي أرهقته للحكومات المتعاقبة بتدهور قيمة الدينار وحالة الإفلاس القادمة وتقلّص احتياطي العملة الصّعبة، ألا تعرف أن معلول مقيم بقطر ويجب تحويل جرايته بالعملة الصعبة"؟.

نظرت إلى غازي، وردّدت في سرّي" سامحك الله يا صاحبي، مازال النهار لم يطلع وأنت ترقص بين لاعبين محترفين، من السّبسي إلى الغنوشي إلى معلول، ونحن كما تقول أمّي رحمها الله" كالكورة بين الذّكورة"، أعرف أن ثعلب السياسة يعرف أن النهضاويّين إخوان وولاؤهم لغير تونس، وكان قد أقام حملته الانتخابية على قولة حفظانا بغبائنا" النداء والنهضة خطان متوازنان لا يلتقيان أبدا، وإذا التقيا فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله" الحقّ حتى لا نظلم السيّد الباجي، هما لم يلتقيا، هما امتزجا، تذاوبا، تداخلا، تشاركا، تمازجا، حتى كدنا لمدّة لا نميّز الحمامة من النّخلة، واليوم، لماذا نستغرب إقرار السبسي بأنّه فشل في جرّ النهضة إلى الفكر المدنيّ، ألم يجرّب قبله عبد الناصر فأرادوا اغتياله، وقبله السادات واغتالوه، وقبله النميري وانقلبوا عليه، وقبله القذافي ونكّلوا به، وقبله زين العابدين فأطلقوا صواريخهم باتجاه طائرته، الغريب أن المواطن التونسي البسيط انتبه إلى كذب إخوان النهضة مباشرة بعد الانتخابات التّأسيسّية ويريد السيّد الباجي اليوم لعب ورقة " خطّان متوازيان" من جديد بمناسبة الانتخابات البلدية.

سيدي الرّئيس، العب غيرها فقد انطلت حيلتك الانتخابية علينا ولن تنطلي مرّة أخرى، وقبلك رئيس تونسيّ قال" غلطوني" وأنت هذه المرّة غلّطتنا نحن من استجار بك من زحف الإخوان، مادمت مازلت تتعلّل بنتائج الانتخابات ولم تعلن عن قتلة الشهداء الابراهمي ونقض وبلعيد كما أعدت مرارا في حملتك فإنّك أنت المسؤول عن تصديق الإخوان وأنت من يتحمّل المسؤوليّة لا هم.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.