Français|

الاستقبال >أخبار >مقال رأي

مقال رأي2015/07/01 15:49

الجامعة والجامع

 الجامعة  والجامع

بقلم سعد برغل

هل يستحيل علينا اليوم أن نعود ثانيّة إلى ثنائّيات كنّا نتصوّر أنّنا تجاوزناها، ثنائيّات قتلت في تاريخنا كلّ إبداع حرّ وكتمت على أنفاس عشّاق الفنّ، 

فأنتجت مصطلحات تحكُم على الإبداع بمنظور رجال الدّين وشطحات الكهنوت، قرأنا عن القتل باسم" الهرطقة" والقتل باسم "الرّدّة" والقتل باسم "الإساءة للشّريعة" والقتل باسم" التعدّي على المقدّسات" والقتل باسم" الهويّة" والقتل باسم" نصرة محمّد" والقتل باسم"نصرة آل البيت" والقتل باسم "أولي العلم"، قتل وتقتيل ومزيد من القتل باسم المقدّس وصلب وسلح وآية حراب وحدّ مرتدّ ورافضيّ وسنيّ وشيعيّ وإباضيّ ومرجئة وقائل بالقرآن جديد وقائل بالقرآن مخلوق وقائل بالتأويل وقائل بالظّاهر وقائل بالمقاصد، كلّ يقتل كلاّ، فلم يسلم البعض من البعض، ولم يسلم الكلّ من البعض، ولم يسلم البعض من الكلّ.

كنّا، طلبة، قد قرأنا كتابات عابد الجابري والأنساق الفكرية والبنية العميقة للفكر العربي، قرأنا لغالي شكري واغتيال العقل العربي، كنّا نقرأ" نحن والتراث" مبهورين بقدرة صاحبه على انتزاع أنفسنا – النّحن من الآخر التّراث، ولم نكن على وعي أنّ جيلنا الذي كان يتابع بانشغال عشريّة الجزائر السوداء كان يستعدّ لسوداء تونسيّة بحجم الدمّ، الجزائر على حدودنا، وكنّا واثقين أنّنا لن نشهد قنلا بالفؤوس للمعلمات وبقرا بالمعاول لبطون الحاملات، لن نشهد كما تشهد الجزائر في الثمانينات جامعيّين ينخرطون في سفالة الأحزاب القتّالة،. وكنّا نستغرب من جيوب إعلام كانت ببعض الدولارات تفتح الفضاءات الإعلاميّة لتبرير القتل باسم الدّين، كنّا نتصوّر أن لتونس حاجزا يمنعها من أن تترك أبناءها يقفون مشدوهين أمام الزي الأفغاني المختال بشوارعنا والأعلام السوداء بسياراتنا وفضاءاتنا الرّياضيّة، كنّا جيلا ساذجا، كنّا نقضي أطرا النّهار وبعضا من الليل أو كلّ الليل أو يكاد بشاطئ بوجعفر، نسبح ونضحك ونجري ونلعب وننام ونرقص، كنّا كمن يعيش بكوكب آخر، والجزائر على رمى حجر تعيش على أنباء الغارات الليلية على القرى الجبليّة وعلى أنباء تقتيل الصحفيّين والمثقّفين، كنّا  نكرح لكلّ نزل ونحمل معنا شمسياتنا وزادنا وزوّادنا، وفي أسوأ الحالات كنّا نناقش بعقلانيّة بوابّ النّزل حتى يسمح لنا بالتجوال لنتعهّد انجليزيتنا وحتى نحافظ على لياقتنا اللّغوية الألمانيّة، أمّا الفرنسيّة فمقدور عليها وإن كنّا لا نظفر بالكثير من الفرنسيات بشواطئ سوسة.

قرأنا للتحديثيّين ودعاة التحرّر الوطني، كانت القطيعة تامّة أو تكاد مع الكتب الصفراء، وكنّا بحدسنا الطالبيّ نعرف أنّ طريق اليمين مسدود، وأنّ هذا اليمين عابر للقارات والأوطان، وأنّه لا ولاء له لرقعة نسّميها وطنا، كنا نناضل بالجامعة عن طريق الكتب والقراءات المتنوّعة المختلفة التي تفتح للطالب حلقات النقاش والجلسات العامّة، وينتصب المتحاجّون، ويتبادلون الشتائم والأطروحات، كنّا نناضل، حتى إذا تمكّنا من تهريب الصغيّر أولاد أحمد أو المرحوم بلقاسم اليعقوبي أو استضفنا فرقة البحث الموسيقيّ أو أرسلنا عبر المضخّات الشيخ إمام كنّا في الواقع نُسهم في بناء شخصيّة طالب قادر على تمييز الغثّ من السّمين، وقادر على غربلة ما يسمع وما يرى، طالب ذي شخصية نقديّة غير مهتزة حتى إذا سمع كلاما عن عذاب القبر وحوريات الجنّة ومتعة ذَكره الخياليّة أمكنه أن يتبصّر وأن يسأل وأن يناقش.

لماذا لم ينخرط طلبتنا في الثمانينات في موجة العنف الدمويّ التي كانت بالجزائر والتي شهدتها السودان وأفغانستان؟  لماذا لم نعرف أفغانا عربا تونسيّين؟ لماذا نجد اليوم غلاظ القتلة بالصّفوف الأماميّة بداعش والنّصرة والعراق وعين أميناس من أبناء هذا الوطن؟ لماذا استطاعت الجامعة التونسيّة أن تحصر داخل أسوارها الخلافات الطلابيّة، فلم نعرف حالات قتل للمخالفين، لماذا لم نعرف، زمنَها، طالبا ناشطا ضمن الاتجاه الإسلاميّ انخرط في عمليات إرهاب خارج الحدود؟ هل وفّرت الجامعة، وقتها، حصانة ثقافيّة وفنيّة لطّفت من حدّة خطابات الاستقطاب باسم الدين والجنّة والكفر؟

ما الذي يجعل الطالب، اليوم؛ طالب العلوم أساسا، ينخرط في الإرهاب، ما الذي يدفعه إلى هذا، بل ما الذي تغيّر بالجامعة التونسيّة؟ ماهي الخيارات التي انحسرت حتى أصبحنا أضحوكة العالم؟ ما الذي تغيّر حتى تتحوّل الجامعة من إنتاج العقل إلى إنتاج الإرهاب وتصديره؟ ما الذي تغيّر حتى  تتحوّل مؤسّساتنا العلميّة من مصدر فخر لاكتشافاتها إلى معرّة حافظة لتفريخ الإرهابيّين؟.

يكفي أن تنظروا في حظّ الفنون والشعر والرقص والغناء والأدب والإبداع والمسرح والفنون الجميلة والسينما في المقرّرات العلميّة، طلبة لا يفتحون كلياتهم للشّعر لن يفتحوا مخابرهم لغير "الوثوقيّة" والجزم والاكسيومات، مخابر لن تنتج غير عقول متحجِّرة قليلة التفتّح غير قابلة لمبدأ النسبيّة والاختلاف، افتحوا كليّاتكم للفنون، واشرعوا أبوابها أمام المبدعين وإلا فإنّنا سنصرف على طلبة يبلغون الماجستير والدكتوراه، ويتأثّرون بفتاوى دهّان، ويفتحون اليومَ النار على ضيوفنا السيّاح، وغدا سيفتحون علينا النّار داخل منازلنا باسم الله، والله من كلّ زاهق للنّفس بغير ذنب بريء.

Economique Jawhara FM

كل التسجيلات

التسجيلات الصوتية

  نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

مالك الزاهي: توجيه الإقتطاع من الأجور لدعم الصناديق الإجتماعية

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الإثنين 21 فيقري 2022

أعوان وموظفو البلديات في إضراب بيومين

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تراجع عجز الميزانية بنسبة 15% موفى نوفمبر 2021

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار منتصف النهار ليوم الخميس 27 جانفي 2022

الغنوشي يدعو الى إلغاء الأمر الرئاسي 117

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

نشرة الأخبار

نشرة أخبار السابعة صباحا ليوم الخميس 27 جانفي 2022

تمديد العمل بهذه الإجراءات لمنع تفشي كورونا

   بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

بزنس نيوز

بزنس نيوز ليوم الإربعاء 26 جانفي 2022

أسعار صرف العملات الأجنبية في تونس

horoscope.jpg