هل قرأ الشّيخ الفاتحة على روح النّداء؟

بقلم سعد برغل

طبعا ليس هذا السّؤال بغريب نظرا إلى تواتر الأحداث ضمن نسق انطلق من اعتبار النداء أكثر خطرا على تونس من السلفيين، فالتاريخ لا يرحم والعصر عصر عصر الشهادات الموثّقة، كما أنّ" الرّجل العجوز الذي أخرجوه للتونسيّين من الأرشيف" كلام لا تنساه الذّاكرة السياسية التونسية قريبة العهد بالتّصريحات، من جهة ثانيّة، النهضة والنّداء خطّان متوازيان لا يلتقيان، وإذا التقيا فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، موقف جلب به الشيخ الباجي مئات الآلاف من الأصوات الانتخابيّة في حمّى السبّاق المحموم نحو مجلس النوّاب.

خطّان متوازيان انطلقا في غزل يصدر من هنا وهناك، ولا يلزم القيادات رسميّا حتى وإن صدر من قياديّين، بما أنّه لم يصدر عن النّاطق الرسميّ لأحد الحزبين الشيخين، رفض للتحاور على البلاتوهات ومغادرة للفضاءات الإعلاميّة في مسرحيّات اعتادها التونسيّون، خطّان تساببا، تخاصما، تضاربا، تعاركا تشاتما، نزع الأوّل عن الثّاني الوطنيّة، ونزع الثاني عن الأوّل التديّن، رمى الأوّل الثاني بتجارة الدّين، ورمى الثّاني الأوّل بالعمالة للغرب الكافر، نعت الأوّل الثاني بالرّجعية والتخلّف ونسف مكتسبات المرأة، وردّ الثاني باتهام الأوّل بتشييء المرأة وظهرت مصطلحات جديدة بالأفق الاتّصالي التونسي مرتبطة بالخطّين المتوازيين؛ "المرأة في الإسلام"بين المكملة والشّريكة.

خطّان متساويان لا يلتقيان، التقيا سرّا بعيدا عن الأضواء بمباركة رأس المال والإعلام وبرعايتهما، وتسرّبت صورة من باريس، نفاها الخطّان، أقرّها، لاحقا، خطّ، تبرّأت منها مجموعات النهضة وصقورها، وشدّد يساريّو النّداء على أنّها محض صدفة ولا تندرج في خطّ النّداء الخصم التّاريخي للإسلام السّياسي،  خطّ لا يرى إمكان الصّلح مع التيّار الإسلاميّ، يقابله خطّ من الصّقور لا يعترف أصلا باليسار القادر على التواجد بالساحة التونسيّة ولا يسمح بعودة رموز العهد البائد.

 خطّان متوازيان لا يلتقيان، إلآ بوساطة خارجيّة وبتزوار سريّ وتشاور غير معلن، هدنة على البرتوهات، وقبول بالتحاور والتجاور، وصراخ مصاحب واتهامات متبادلة، أعقبها منع للمتشدّدين من الفريقين من الظّهور التلفزيّ، ودفعت النهضة حمائمها برئاسة مورو للتحدّث و إعلان قبول للنّداء وإمكان التحاور معه، فالواقع هو الحجّة، وهي في علم الحجاج أبلغ الحجج وأقواها، خطّان بدآ بالميلان والاعوجاج، حتى أضحيا بعد ترتيب زيارة حافظ قائد السبسي لتركيا ولقاء أردوغان خطّين غير متوازيين، بعيدين،  لكنهما غير متوازيين.

هل قرأ الشّيخ الفاتحة على روح النّداء؟ لم يكن سؤالا سمعته منذ ليلتين بالمقهى، كان محدّثنا من مناضلي النداء الذين تعبوا كثيرا في بداية المشوار النّدائيّ، من الذّين تعرّضوا إلى مضايقات كثيرة عند تنسيق الاجتماعات الأولى للنّداء، كان يحدّثنا عن أجواء مؤتمر سوسة، لم يكن يعنيه صمت الغنوشي، أثناء إلقاء كلمته، عن الهتافات المتكرّرة بالزّعيم الحبيب بورقيبة، ولم يكن يعنيه النقاش في تأخّر ظهور القانون الدّاخلي للحزب، ولم يكن  همّه ما دار من توافقات سابقة على المؤتمر أو أثناءه.

كان محدّثني مقتنعا أنّ السيّد راشد الغنوشي قد "أبّن" النداء ( والفعل نطق به)، ولكنّه تأبين تاريخيّ لقولة الشّيخ الباجي" النهضة والنداء خطّان متوزيان..." تأبين استطاع به أن ينسف قانون الطبيعة السياسيّة حتى ترضخ لمقتضيات الإسلام السياسيّ الذي حوّل مرجعيّتين مختلفتين إلى اشتراك في المرجعيّة، من اختلاف حسن البنا عن الحبيب بورقيبة إلى الثعالبي جدّ مشترك، وقد أنتجت هذه التخريجة الفقهية مكافأة صاحبها بمنصب ناطق رسميّ باسم حكومة ائتلاف خطين كانا متوازيين.